هو المعنى دون اللفظ ، فكذب الكلام اللفظي راجع إلى كذب الكلام النفسي ـ كما ذكر في الوجه الأوّل ـ ، وكذب الكلام النفسى قديم فكذب اللفظي أيضا قديم ، وحينئذ يلزم ما ذكر من المحذور في الكلام اللفظي أيضا ، فثبت منه عدم وقوع الكذب فيه.
وردّ بعضهم هذا الجواب : بأنّ الأشاعرة لمّا جوّزوا حدوث الكلام اللفظي مع قدم الكلام النفسي فان جوّزوا حدوث صفة اللفظي ـ أعني : حدوث كذبه ـ كان أولى وبقبول العقل أحرى ، وإذا كان كذبا حادثا عندهم فلا يجري هذا الدليل فيه. / ٢٢٥ DB /
وقال بعض المشاهير : إنّ هذا الوجه كالوجه الأوّل في اجراء الجواب المذكور ، وتفصيل اجرائه في هذا الوجه أن يقال : إذا كان مرجع الصدق والكذب هو المعنى دون اللفظ وكان الكلام النفسي عبارة عن مدلول الكلام اللفظي فلا يتصوّر كذب الكلام اللفظى بدون كذب الكلام النفسي ، فكذب الكلام اللفظي انّما يكون بكذب الكلام النفسي ؛ فلو كذب الكلام اللفظي كذب الكلام النفسي ؛ وكذبه انّما يكون قديما بما ذكر.
أقول : إن كان مراده إنّ القدم في الكذب منحصر في الكلام النفسى ـ لأنّه إذا كان الكلام اللفظي حادثا ومدلوله قديما يجوز أن يكون كذب أحدهما قديما وكذب الآخر حادثا ، فالملازمة وعدم الانفكاك انّما يكون بين أصل كذب الكلام اللفظي وكذب الكلام النفسى لا بين وصف الكذبين أيضا ، أعني : القدم والحدوث لجواز أن يكون كذب أحدهما قديما وكذب الآخر حادثا ـ ، ففيه : انّ كذب الكلام اللفظي لو كان حادثا يجري هذا الوجه في ابطال كذبه ووجوب صدقه ؛
وإن كان مراده انّ كذب اللفظي ككذب النفسي قديم ، ففيه : إنّه لا يتصوّر كون أصل الكلام اللفظي حادثا وكون صفته ـ أعني : كذبه ـ قديما ، وهو ظاهر بديهي. فظهر أنّ جريان الجواب المذكور في هذا الوجه باطل ، ومنه يظهر عدم دلالة هذا الوجه على بطلان كذب الكلام اللفظي.
فان قيل : على ما ذكرت يكون كذب الكلام اللفظي حادثا وتجويز حدوثه لا يمكن أن يتحقّق بدون كذب الكلام النفسي ـ بناء على الجواب المذكور ـ ، فيلزم منه تجويز كذب الكلام النفسي وهو باطل بالدليل المذكور ـ أعني : الوجه الثاني للأشاعرة ـ ،