يعلم أفعاله يعلم ذاته ، إذ من يعلم افعاله يمكن ان يعلم انّه يعلم افعاله ـ ... إلى آخره ـ. انتهى كلام بعض المحقّقين.
وقال الفاضل المذكور : لا يخفى ما فيه!.
ولعلّ ما فيه هو : انّ علم الشيء بذاته الّذي هو عبارة عن حضور ذاته لا يتحقّق بدون التفاته إلى الذات ، وبدون ذلك لا يتحقّق حضور الذات للذات. والتفات الشيء إلى ذاته ليس لازما ، فيمكن أن يكون الالتفات ممكنا ولم يتحقّق بالفعل ، فامكان الحضور لا يستلزم الحضور بالفعل. فهذا الايراد منه قريب من ايراده السابق ـ أعني : ما ذكره من : انّا كثيرا ما نعلم شيئا ونغفل عن كوننا عالمين به ـ.
وأنت تعلم انّ عدم الالتفات إلى الذات مع كونه ممكنا والغفلة مع العلم بكون أفعاله أفعالا له فينا لا يمكن أن يكون دائميا ، لانّ الغفلة عن الشيء انّما يتحقق إذا كان هذا الشيء موجودا في خزانة القوّة المدركة ولكنها لا يلتفت إليه ؛ ولذا استدلوا بالفرق بين « الذهول » و « النسيان » في المعقولات على تحقّق الخزانة للنفس ، وبالفرق بينهما في الصور الجزئية على تحقّق الخزانة للحسّ المشترك ـ وهو « الخيال » ـ ، وبالفرق بينهما في المعاني الجزئية على تحقّق الخزانة للواهمة ـ وهي « الحافظة » ـ. ولا ريب انّ الشيء إذا كان موجودا في الخزانة لا يمكن أن ينعدم الالتفات إليه بالكلّية ، بل إذا حصل عائق ينعدم الالتفات فيحصل الغفلة وإذا زال العائق فيحصل التذكّر ، ولو لم يحصل التذكّر أصلا لم يكن موجودا في الخزانة وكان نسيانا.
وإذا عرفت ذلك فنقول : الغفلة وعدم الالتفات انّما يتحقّقان في حقّ غافل كان لتعقّله خزانة ، ومن لم يكن لتعقّله خزانة ولا يحتاج في التعقّل إلى شيء سوى ذاته لا يتحقّق في حقّه الغفلة وعدم الالتفات ؛ فالواجب ـ تعالى ـ لمّا كان متعقّلا لأفعاله ـ كما هو الفرض ـ فامّا يعلم انّه افعاله أو لا ؛ فعلى الأوّل يثبت المطلوب ـ أي : تحقّق العلم بذاته ـ ، وعلى الثاني : فامّا ان لا يعلم انّه افعاله مطلقا ، أو يعلم ذلك في بعض الاوقات ويغفل عنه في بعض ، فعلى الثاني يلزم أن يكون لتعقّله خزانة ـ وهو باطل ، للزوم الافتقار ـ ؛ والأوّل بديهي البطلان ـ لأنّه يستحيل أن يعلم أحد أفعاله ولا يعلم قطّ انّه