وإن أريد : أنّه يزول الاعتقاد بالكاذب فانّه يدلّ على امتناع اعتقاده ـ تعالى ـ وتصديقه بالكاذب ، ولا ريب في أنّ عدم الاعتقاد بالكاذب قد كان حاصلا قبل حصول الصادق أيضا ولم يكن قبله اعتقاد به / ٢٢٦ DA / حتّى يزول بالصادق ، ولا شبهة في أنّ امتناع الاعتقاد بالكاذب لا يستلزم امتناع الكاذب بدون الاعتقاد ـ بل مع علمه بانّه خلاف الواقع ـ ، فعلى هذا الشقّ يلزم قدم كذب مدلول اللفظ ، لأنّه إذا كان المدلول قديما وجاز كذبه ولم يلزم من حصول الصدق زواله يكون الكذب قديما البتة. ولا يلزم منه زوال قديم أصلا ، بل يلزم أن يقوم به ـ تعالى ـ الصادق والكاذب ـ أي : مدلول اللفظين أو اللفظان ـ مع اعتقاده باحدهما وعدم اعتقاده بالآخر ازلا وابدا. فلا يدلّ هذا الدليل على امتناع كذب مدلول اللفظ ولا اللفظ بالنسبة إليه ـ تعالى ـ نظرا إلى عدم اعتقاده بالكذب ، بل امتناع اعتقاده. وكذا الدليل الّذي قبله ، فانّ اعتقاد الكذب نقص لا قيام مدلول كاذب به ـ تعالى ـ بطريق التصوّر أو غيره. نعم! ، يتمّ الدليل الّذي قبله بما ذكرناه من أنّ صدور الألفاظ الكاذبة منه ـ تعالى ـ قبيح ؛ هذا.
وقيل : لو تمّ هذا الدليل لدلّ على امتناع صدقه ـ تعالى ـ أيضا بأن يقال : إنّه ـ تعالى ـ لو اتصف بالصدق لكان صدقه قديما ، فيمتنع عليه الكذب المقابل لذلك الصدق ، لكنّا نعلم ضرورة أنّ من علم شيئا امكن أن يخبر عنه لا على ما هو عليه ، فيلزم أن لا يتّصف بالصدق أصلا ؛ انتهى.
وفيه : انّا لا نسلّم أنّ الواجب ـ تعالى ـ لو علم شيئا امكن أن يخبر عنه لا على ما هو عليه ، فهل الكلام إلاّ فيه؟!. فيجوز أن يكون الاخبار لا على ما هو عليه محالا بالقياس إليه ـ تعالى ـ لاستلزامه النقص.
فان قيل : الاستدلال بامتناع الاخبار لا على ما هو عليه بايجابه النقص رجوع إلى الوجه الأوّل ؛
قلنا : هذا الاستدلال هنا جعل سندا للمنع وفي الوجه الأوّل كان عين الدليل.
ومنها : اجماع الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ والعلماء على صدقه ـ سبحانه ـ وعدم وقوع الكذب في كلامه ، وقد ثبت صدقهم بدلالة المعجزات من غير توقّف على ثبوت