تتميم
قد ظهر من البراهين الّتي ذكرناها لاثبات عينية الوجود وكون ذاته ـ تعالى ـ صرف الوجود انّه يلزم أن يكون بحت الوجود متحقّقا في الخارج وقائما بذاته وهو الواجب ـ سبحانه ـ ، وبهذا الطريق يحصل برهان على اثبات الواجب ـ سبحانه ـ هو اوثق البراهين. بيانه : إنّه لو لم يكن صرف الوجود موجودا وكان جميع الموجودات زائدة على المهيات لكانت المهيات في اتصافها بها والوجودات في حصولها لها محتاجة إلى العلّة ، والعلّة لا يمكن أن تكون نفس المهيات ـ لأنّ الشيء لا يمكن أن يفيض وجوده بنفسه ـ ، فتعيّن أن يكون غيرها ؛ والغير إن كان ما هو وجوده زائد على مهيته فننقل الكلام إليه ، فيلزم التسلسل ، وهو باطل ، فيلزم أن يكون صرف الوجود موجودا حتّى ينتهى إليه سلسلة الوجودات الامكانية. وقريب من هذا الطريق ما قيل في اثباته ـ سبحانه ـ : إنّ الموجود إمّا متعلّق بغيره بوجه من الوجوه ، أو غير متعلّق بشيء أصلا ، والمتعلّق بغيره إمّا يكون تعلّقه من حيث امكانه ؛ أو من حيث كونه ذا ماهية ؛ أو من حيث كونه موجودا بعد العدم. أمّا الأوّل ـ أعني : الامكان ـ فهو أمر اعتباري سلبي ، لأنّ مفهومه سلب ضرورة الوجود والعدم عن الماهية ، فلا يوجب تعلّقا بغيره ولا يكون متعلّقا بما سواه كما لا يكون معلولا لعلّة مباينة للمعلول أصلا ـ لكونه من لوازم المهيات الامكانية كما أنّ الحدوث من لوازم الوجودات الحادثة ـ ؛ وأمّا الثاني ـ أعني : الماهية ـ فهى ليست سببا للحاجة إلى العلّة ولا هي أيضا مجعولة متعلّقة بالجاعل ولا موجودة إلاّ بالعرض وبتبعية الوجودات ؛ وأمّا الثالث ـ أعني : كونه موجودا بعد العدم ـ إذا حللناه يحصل أمور ثلاثة : عدم سابق ؛ ووجود ؛ وكون هذا الوجود بعد ذلك العدم السابق. والعدم بما هو عدم نفي محض لا يصلح أن يتعلّق بشيء ، وكون الوجود بعد العدم من اللوازم الضرورية للموجود بعد كونه معدوما ، فلا يكون متعلّقا بالغير ـ لأنّ لوازم الشيء لذاته غير مجعولة ـ ، فالمتعلّق بالغير في الموجود الّذي تعلّق بغيره هو أصل وجوده لا مهيته ، ولا شيء آخر ؛ والوجود المتعلّق بالغير المقوّم به