أيضا باطل ، لأنّ العقل يحكم بأنّ الجزء الحقيقي والكلّ لا يكونان في مرتبة واحدة ؛ هذا.
وأمّا ما يدلّ على خصوص أنّ الواجب ـ سبحانه ـ ليس له اجزاء مقدارية فهو إنّه لا ريب في تشابه الجزء المقداري وكلّه في الحقيقة النوعية ـ كما قرّره الحكماء في ردّ مذهب ذيمقراطيس ـ. وحينئذ نقول : لو كان للواجب جزء مقداري فهو إمّا ممكن ـ فيلزم أن يخالف الجزء المقداري كلّه في الحقيقة ، وهو خلاف ما قرّروه ـ ؛ وإمّا واجب فيكون الواجب بالذات غير موجود بالفعل ، بل بالقوة ـ لأنّ الأجزاء المقدارية ليست موجودة بالفعل بل اجزاء تحليلية بالقوة ـ ، وهو ـ أعني : كون الواجب بالقوّة ـ بديهى البطلان.
ويقرب من هذا الاستدلال ما استدلّ به بعض الأفاضل حيث قال : إنّ الواجب لذاته لمّا كان هو الوجود المتأكّد فان كان له اجزاء مقدارية تحليلية فجزؤه المقداري التحليلي إمّا وجود متأكّد أو أمر آخر ، وعلى الأوّل يلزم كون ذلك الجزء واجبا لذاته ـ بناء على ما سبق من أنّ الوجود المتأكّد يكون واجبا لذاته ـ ؛ وعلى الثاني يكون ذلك الجزء ممكنا لذاته ـ لأنّ ما عدا الوجود المتأكّد لا يكون واجبا ـ ، فيلزم أن يخالف الجزء المقداري كلّه في الحقيقة ، مع أنّه قد تقرّر عندهم أنّ الجزء التحليلي لا يخالف الكلّ في الحقيقة. قال بهمنيار في التحصيل : اعلم! أنّ الماء والخمر مثلا لا يصلح أن يكون بينهما وحدة بالاتصال حقيقة ، فانّ الموضوع للمتصل بالحقيقة جسم بسيط متفق بالطبع ، والحكماء ردّوا مذهب ذيمقراطيس بأنّ الأجزاء الفرضية لتلك الأجسام يشارك الكلّ في الحقيقة ويشارك باقي الأجزاء فيها ، فكون الجزء ممكنا مع كون الكلّ واجبا باطل ـ بناء على ما قرّروه ـ.
فان قيل : توافق الأجزاء المقدارية للكلّ في الحقيقة ممنوع ، ولم لا يجوز أن تكون الحقائق المتباينة لها اتصال واحد؟! ، ونظير ذلك ما ذكره المشّاءون من أنّ ما فيه الحركة إذا كان كيفا فهناك كيفية بسيطة متصلة صالحة لأن ينقسم إلى كيفيات مختلفة الحقيقة ، وبالجملة العقل لا ينقبض في بادي الرأي من أن يكون للأجسام المختلفة الحقيقة اتصال واحد ، ولا بدّ لنفي ذلك من بيان.