قلنا : قد أشرنا فيما سبق أنّ كلّ حقيقة نوعية أو جنسية لا بدّ أن يكون بين اجزائها علاقة لزومية وارتباط ايجابي وإلاّ لم يتصوّر تركّبها من تلك الأجزاء وحصول التأليف بينها ، ولا ريب في أنّ الأمور المتباينة المتفاصلة المستغنية بعضها عن بعض لا يتصوّر بينها علاقة لزومية ، وهذا مع بداهته وحكم الفطرة السليمة عليه قد تبيّن في العلم الإلهي بوجوه برهاني.
ثمّ الحق إنّ الأجزاء المقدارية التحليلية وإن لم تكن اجزاء موجودة بالفعل إلاّ أنّه لا ريب في انّها اجزاء نفس أمرية واقعية ، كيف وقد بيّنا أنّ الأجزاء العقلية اجزاء واقعية نفس امرية ، فكيف لا تكون الأجزاء المقدارية كذلك؟! ، / ٢٣٥ DA / فلو تركّب الواجب منها لزم افتقاره إلى غيرها ؛ ولزم تقدّم غير الواجب عليه بالوجود.
وبذلك يظهر تمامية ما استدلّ به المعلم الثاني في الفصوص على نفي تركّبه ـ سبحانه ـ من اجزاء القوام حيث قال : إنّ وجوب الوجود لا ينقسم باجزاء القوام ـ مقداريا كان أو معنويا ـ وإلاّ لكان كلّ جزء منه إمّا واجب الوجود ـ فيتكثّر واجب الوجود ـ ، وإمّا غير واجب الوجود وهو أقدم بالذات من الجملة ، فيكون الجملة ابعد من الوجود (١) ؛ انتهى.
ومراده من الشقّ الثاني إنّ كلّ ما هو جزء الشيء يجب أن يكون متقدّما بالوجود على ما هو جزء له ، فاذا فرض أنّ غير الواجب يكون جزء له فلا بدّ أن يكون ذلك الغير متقدّما عليه بالوجود ويكون أقرب إلى الوجود بالقياس إلى الواجب مع كون ذلك الغير ممكنا ، فيلزم أن يكون الممكن متقدّما على الواجب بالذات / ٢٣٣ MA / بالوجود ؛ وهو باطل.
وأيضا إذا فرض أنّ الشيء يكون واجب الوجود فلا معنى لكون شيء آخر اقرب منه إلى الوجود ، لأنّه ليس شيء أقرب إلى الوجود من الواجب بالذات ، لأنّ نسبة الوجود إلى الواجب بالذات نسبة الذاتي ـ بناء على عينية الوجود في الواجب بالذات ـ ، ونسبة الوجود إلى الممكن بالذات نسبة العرض الخارج عن الذات المعلّل لغير الذات ،
__________________
(١) راجع : فصوص الحكم ، الفص ٩ ؛ نصوص الحكم ، ص ٤٦.