فيكون وجود الممكن بالذات أمرا غريبا مستفادا من الغير.
والوجه في تماميته ما ذكره المعلم الثاني : إنّ الأجزاء المقدارية كما عرفت اجزاء واقعية نفس أمرية ، فلو تركّب الواجب منها يلزم ما ذكره من الفساد.
والعجب أنّ المحقّق الدواني بعد نقل هذا الاستدلال من الفارابي قال : وهذا كلام مظلم! ، لأنّ الأجزاء التحليلية للشيء ليس لها تقدّم على الشيء ، لأنّ ذلك الشيء بسيط لا يسبقه وجود تلك الأجزاء ، فتلك الأجزاء اجزاء وهمية له ، فلا يلزم تقدّمها عليه بحسب الوجود الخارجى ؛ انتهى.
ودفعه ما ذكرناه من أنّ الأجزاء التحليلية اجزاء نفس أمرية واقعية ، فتقدّمها على الكلّ بديهي. على انّك قد عرفت أنّ الأجزاء الفرضية لتلك الأجسام يشارك الكلّ في الحقيقة ويشارك باقي الاجزاء فيها ، فيصحّ عليها من الافتراق والاتصال ما يصحّ على غيرها من الأجزاء الموجودة بالفعل ، فحينئذ ما يتصوّر أن يكون له جزء تحليلي يلزم أن يكون له جزء خارجي ، فيكون الواجب لذاته مفتقرا إلى الجزء الخارجي. وحينئذ نعود ونقول : إنّ ذلك الجزء إن كان وجودا متأكّدا كان واجبا لذاته ، فيكون موجودا بالفعل لا جزء تحليليا ، مع أنّه يلزم تعدّد الواجب بالذات ؛ وإن كان غير الوجود المتأكّد يكون ممكنا لذاته ، فتغاير الكلّ بالحقيقة ويكون جزء خارجيا أيضا لا تحليليا ، مع أنّه يلزم منه تركّب الواجب من الممكن.
ثمّ إنّه قد أجيب عن ايراد المحقّق الدواني أيضا : بأنّ ذات الجزء التحليلي مقدّم على البسيط بمعنى أنّ العقل إذا قاس الكلّ وذلك الجزء إلى الوجود يحكم بتقدّم ذات الجزء عليه ، وذلك لا ينافي تأخّر وصف الجزئية عنه ، فذات الجزء مقدّم ووصف الجزئية متأخّر.
وهذا الجواب عند التأمّل أيضا صحيح لا غبار عليه ، لأنّه لا ريب في تقدّم ذات الجزء على الكلّ ، وهو كاف للزوم الفساد.
وما قيل في دفعه ظاهر الضعف!.
وحاصل الدفع : إنّ ذات الجزء التحليلي أمر ينتزع العقل بمعونة الوهم من