وأمّا ما يدلّ على خصوص أنّ الواجب ليس له اجزاء عقلية فوجوه :
منها : إنّ احتياج الجنس إلى الفصل ليس في مفهومه من حيث هو هو ـ كما هو مقرّر عندهم ـ ، بل في أن يوجد ويحصل بالفعل ، فانّ الفصل كالعلّة المفيدة للجنس باعتبار بعض الملاحظات العقلية ، فلو كان للواجب جنس وفصل فجنسه إمّا يكون مفهوما غير الوجود / ٢٣٦ DA / المتأكّد ـ فيكون واجب الوجود ذا ماهية ، وقد تقدّم أنّه ليس له ماهية سوى الوجود ـ ؛ وإمّا عين الوجود المتأكّد ـ فلا يحتاج في أن يوجد إلى فصل ، فيكون ما فرضناه فصلا غير فصل ، وكذا ما فرضناه جنسا غير جنس ـ. وإذا انتفت عنه ـ سبحانه ـ الأجزاء العقلية يلزم منه انتفاء الأجزاء العينية ـ كالمادّة والصورة الخارجيتين ـ ، إذ كلّ بسيط في التصوّر بسيط في الخارج دون العكس. فجميع ما يدلّ على انتفاء الاجراء العقلية عنه ـ سبحانه ـ يدلّ على انتفاء الأجزاء الخارجية عنه ـ تعالى ـ أيضا.
ومنها : إنّه لو كان للواجب اجزاء عقلية فلا يخلوا : إمّا أن يكون جميعها أو بعض منها محض حقيقة الوجود ، أو لا يكون شيء منها كذلك ، وعلى التقادير يمتنع الحمل ، وهو خلاف الفرض.
ومنها : إنّ الواجب لو كان له اجزاء عقلية من الجنس والفصل لكان حقيقة نوعية ، وإذا كان حقيقة نوعية احتاج في وجوده الخارجي إلى تشخّص زائد على حقيقته ـ سواء كان محصورا في فرد كالعقل أو الشمس أو لا ، اذ الماهية النوعية لكونها كلّية لا يمكن أن يكون التشخّص عين ذاتها ـ. وإذا كان تشخّصه زائدا على ذاته نقول : إنّ التشخّص انّما هو سبب في كون الشيء موجودا بالفعل لا في تقويم معنى الذات وتقريره ، وكما أنّ النوع لا يحتاج إلى الفصل في كونه متصفا بالمعنى الجنسي ـ بل في كونه محصّلا / ٢٣٧ MA / بالفعل ـ فكذلك الشخص لا يحتاج إلى التشخّص في كونه متصلا بالمعنى الّذي هو النوع ، بل يحتاج إليه في كونه متصفا بالوجود.
ثمّ إنّه لمّا ثبت أنّ واجب الوجود مهيته عين وجوده فكلّ ما كان مقوّما لوجوده يكون مقوّما لسنخ حقيقته ، فلو كان حقيقته متشخّصة بتشخّص زائد على ذاته لكان