الوحدة والتعدّد ـ واقع قطعا ، فلا بدّ له من مقتض ، فلو لم يكن مقتضيه نفس حقيقة الوجود ـ على ما هو الفرض ـ لكان مقتضيه غيره من الممكنات ، فلزم الاحتياج إلى الممكن ، وهو باطل. وأيضا لا خفاء في أنّ ذلك الاحتياج ـ أي احتياج تحقّق الوحدة أو التعدّد إلى الممكن ـ يعود إلى اقتضاء حقيقة بعض الوجود ـ أي : إلى اقتضاء وجوب الوجود ـ ، لأنّ اقتضاء الممكن إلى الشيء ينجرّ إلى اقتضاء حقيقة الواجب ـ أي : يؤول إلى أنّ حقيقة الوجوب يقتضي التعدّد أو الوحدة ـ لوجوب انتهاء سلسلة الامكانيات إليه / ٢٣٧ DB / ـ تعالى ـ ، فرجع حينئذ الأمر إلى اقتضاء حقيقة الوجود الوحدة أو التعدّد ، والأوّل يستلزم المطلوب ، والثاني يوجب تحقّق الكثير بما هو واحد ، وهو باطل ـ كما مرّ ـ.
وقد ظهر ممّا ذكر أنّ كون غير الوجود المحض ـ أعني : الممكن ـ مقتضيا لأحدهما ـ أعني : التعدّد والوحدة ـ باطل بوجهين :
أحدهما : إنّ الممكن لا اقتضاء له أصلا ؛
وثانيهما : إنّه ينتهى اقتضاء الممكن إلى اقتضاء حقيقة الوجود. وإذ ابطل هذا الشقّ ـ أعني : الشقّ الثالث ـ بقي الشقّان الأوّلان ـ أعني : اقتضاء حقيقة الوجود الوحدة أو التعدّد ـ ، والأوّل يستلزم المطلوب والثاني باطل للزوم تحقّق الكثير بلا واحد.
ثمّ إنّه اعترض على هذا الدليل أمّا أوّلا : فبانّه إن أراد بحقيقة الوجود الّذي يقتضي الوحدة أو التعدّد الوجود الخاصّ الّذي ثبت كونه عين الواجب نختار إنّه يقتضي الوحدة ولا يثبت به الوحدة الّتي هي المطلوب ، لجواز أن يكون الوجود الخاصّ لكلّ من المتعدّد مغايرا بالذات للوجود الخاصّ للآخر ويكون عين كلّ منها ومقتضيا للوحدة ، وهو واحد ، إذ كلّ منهما واحد وما ثبت اشتراكه معنى انّما هو الوجود المطلق لا الخاصّ ؛ وإن أراد بحقيقة الوجود الوجود المطلق نختار الشقّ الثالث ـ أعني : عدم اقتضائه لأحدهما ـ. وما ذكر من أنّه يلزم حينئذ الاحتياج إلى الممكن ، فهو ممنوع ، إذ الوجود المطلق زائد على ذات الواجب ، فجاز أن يكون مقتضى تعدّد هذا الوجود الزائد