وجوب الوجود أمرا عرضيا وعدم كون الذات صرف الوجود ، ومبنى البراهين المذكورة على أنّ وجوب الوجود هو يؤكّد الوجود وكون الواجب صرف الوجود ومحضه وخالص الموجود وبحته وعدم جواز التعدّد في محوضة الشيء ؛ وحينئذ لا مدخلية لهذه الشبهة بالنسبة إلى البراهين المذكورة أصلا ، ولا ورود لها عليها مطلقا.
وقال بعض أعاظم العرفاء : وبما ذكرناه ـ من كون الواجب صرف الوجود القائم بذاته ـ يندفع ما يتكذّب به أذهان الأكثرين بما قيل : لم لا يجوز أن تكون هناك هويّتان بسيطتان مجهولتا الكنه مختلفتان بتمام الماهيّة البسيطة يكون كلّ منهما واجبا لذاته ويكون مفهوم واجب الوجود مخترعا منهما مقولا عليهما قولا عرضيا؟ ؛ إذ قد علمت أنّه لو كان كذلك لكان عروض هذا المفهوم لكلّ منهما أو لأحدهما إمّا معلولا لذات / ٢٣٨ DB / المعروض ، فيلزم تقدّمه بالوجود على نفسه ، وهذا محال ؛ أو معلولا لغيره ، فاستحالته أظهر. بل نقول : لو نظرنا إلى نفس مفهوم الوجود المعلوم بوجه من الوجوه بديهة أو بالنظر إلى أنّ حقيقته وما ينتزع هو منه أمر قائم بذاته هو الواجب الحقّ والوجود المطلق الّذي لا يشعر به عموم ولا خصوص ولا تعداد كلّ ما وجوده هذا الوجود فرضنا لا يمكن أن يكون بينه وبين شيء آخر له أيضا هذا الوجود مباينة وتغاير أصلا ، فلا يكون اثنان ، بل يكون هناك ذات واحدة ووجود واحد ؛ كما اشار إليه صاحب التلويحات بقوله : « صرف الوجود الّذي لا اتمّ منه كلّما فرضته ثانيا فاذا نظرت فهو هو إذ لا ميز في صرف شيء » (١) ، فوجوب وجوده الّذي هو ذاته يدلّ على وحدته كما اشير إليه في الكتاب الإلهي بقوله ـ تعالى ـ : ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) (٢).
ثمّ إنّه يأتي بيان ورود هذه الشبهة على بعض البراهين الآتية وحلّها بوجه آخر.
ومنها : الدليل المشهور من الحكماء ، وتقريره : أنّه لو كان واجب الوجود اثنين لكان معنى وجوب الوجود ـ وهو معنى واحد بالضرورة ـ مشتركا بينهما ، فيلزم اعتبار جهة ما به الامتياز ، لأنّ حصول الاثنينية بدون ما به الامتياز محال ؛ ولا ريب في أنّ ما به الامتياز غير ما به الاشتراك ، فيلزم التركيب ، وهو محال.
__________________
(١) راجع : التلويحات ، ص ٣٥.
(٢) كريمة ١٨ ، آل عمران.