وأورد على هذا الدليل الشبهة الكمونية المشهورة بافتخار الشياطين ؛ وقد عرفت أنّ اثبات التوحيد ممكن من البراهين المتقدّمة الّتي لا يتوهّم ورود هذه الشبهة عليها. وأمّا دفعها عن هذا الدليل المشهور فهو : إنّ وجوب الوجود لو كان عرضيا لكان عروضه لهما محتاجا إلى علّة ، فعلّته إن كانت ذات الواجبين من دون اتصافهما بوجوب الوجود لزم أن يكون غير واجب الوجود علّة لوجوب الوجود ، وهو باطل ؛ وإن كانت ذاتهما / ٢٣٦ MB / مع اعتبار وجوب الوجود فان كان وجوب الوجود الّذي هو العلّة عين وجوب الوجود الّذي هو المعلول لزم تقدّم الشيء على نفسه ، وإن كان غيره ننقل الكلام إليه ، فيلزم التسلسل.
فان قيل : الوجود العامّ المنتزع من الواجب عرضىّ ، فيلزم من عرضيته أحد المفاسد المذكورة ؛
قلنا : الوجود الانتزاعي ليس ممّا يتوقّف عليه العلّة ، لأنّ العلّة انّما هو الوجود الخاصّ وهو الوجود الواجبي ، فيمكن أن يكون علّة لانتزاع هذا المفهوم ، فتقدّم الواجب عليه انّما هو بالوجود الخاصّ ووجوب الوجود ـ لأنّه يتحقّق حقيقة واجب الوجود مع قطع النظر عنه ـ.
وقيل في الجواب عن الشبهة المذكورة : إنّ وجوب الوجود إن لم يكن هو نفسه ذاتيا لهما جنسا أو نوعا حتّى يلزم التركب بل كان عرضا عامّا منتزعا عنهما نقول : هذا العرض إمّا واجب ، أو ممكن ؛ والأوّل باطل ، إذ العرض محتاج إلى المحلّ والمحتاج لا يمكن أن يكون واجب الوجود ؛ والثاني ـ أعني : كون هذا العرض ممكنا ـ أيضا باطل ، لأنّ علّته إن كانت أحدهما فقط دون الآخر لكان معلولا لواجب ودونه ، وإن كانا هما علّة له فان كانت العلّة مستندة إلى أمر مشترك ذاتي لزم التركب ، وإن لم تكن مستندة إليه ـ بل كانت مستندة إلى ذاتيهما المتخالفين ـ لزم اشتراك معنى واحد بين حقائق مختلفة من دون أن يكون تبعا لأمر مشترك ذاتي ، وهو باطل ؛ لأنّ المختلفين من حيث انّهما مختلفان من دون جهة الاشتراك لا يناسبان معنى واحدا حتّى يكونا علّتين له ، فيلزم توارد علّتين مختلفين على معلول واحد شخصي ، ويلزم ارتفاع المناسبة بين العلّة و