لا يقال : الانفصال بين ذات الواجب ومفهومه فلا يمكن أن يقال : إنّ الأمر المنفصل عن مفهوم الواجب هو ذات الواجب ، إذ / ٢٤٠ DA / الظاهر أنّ المراد من الأمر المنفصل هو أن لا يكون بينهما اتصال ويمكن الافتراق بينهما ، وليس المفهوم بالنسب إلى الذات كذلك ؛ لانّا نقول : فحينئذ يتحقّق شقّ خامس في الجواب نختاره ، وهو أن يكون التعيّن معلّلا بذات الواجب. والحاصل : انّا لا نقول حينئذ : أنّ ذات الواجب أمر منفصل عن المفهوم ، بل نقول : انّكم قلتم : انّ التعيّن إمّا نفس الماهية الواجبة ، أو معلّلا بها ، أو بلازمها ، أو بأمر منفصل عن مفهوم الذات. ويرد على كلّ واحدة منها مفسدة. وأنا أقول : بقي قسم خامس هو أن يكون التعلّل معلّلا بذات الواجب ، وهذا على تقدير أن يكون المراد من الواجب المفهوم ، فانّ ذات الواجب هو ما صدق عليه لا المفهوم ، فيكون قسما خامسا. وحاصل هذا الاعتراض : إنّ لكلّ من وجوب الوجود والموجود والوجود مفهوما ومصداقا ، والكلام انّما هو في المصداق لا في المفهوم ، لأنّ من قال : إنّ وجوب الوجود والوجود والموجود عين ذاته ـ سبحانه ـ ليس مراده أنّ مفهوم هذه الأمور عين له ـ تعالى ـ ؛ مع أنّ ما ذكر في الدليل المذكور ـ من أنّ ما به الامتياز إن كان نفس الماهية الواجبة ... إلى آخره ـ انّما يستقيم في المفهوم ، إذ لو أريد بالماهية الواجبة المصداق لورد أنّه يجوز أن يكون واجبان تعيّن كلّ منهما عين ذاته ووجوب الوجود عرضي لهما ؛ وهذا الاعتراض هي الشبهة الكمونية.
وأجاب بعض المشاهير من هذا الاعتراض : بأنّ المراد بالماهية الواجبة في الدليل حقيقة محض الوجود ، فانّ الوجوب هو تأكّد الوجود. وذلك لأنّه قد سبق أنّ الوجود الحقيقي ليس زائدا على حقيقة الواجب ، لا في التعقّل ولا في الخارج. وأيضا : قد مرّ الشبهات على أنّ الوجود الانتزاعي واحد والغرض منها التنبيه على أنّ الوجود الحقيقي واحد ـ على ما مرّ تفصيله ـ. والحاصل : أنّ الوجود الحقيقي الّذي هو أمر واحد وعين حقيقة الواجب لا يخلوا عن الاقسام الاربعة المذكورة الّتي رابعها محال بالبديهة ، والأقسام الباقية مستلزمة للمطلوب ، لأنّ التعيّن الّذي به الامتياز إذا كان عين محض الوجود الّذي هو حقيقة الواجب أو معلّلا بها أو بلازمها كان الواجب واحدا ولم يتصوّر