التعدّد. وبالجملة : إنّ مراد القوم بالماهية الواجبة ليس مفهوم الوجود الانتزاعي الّذي هو أمر عرضي غير موجود في الخارج ، بل المراد منها حقيقة محض الوجود بلا ممازجة شيء من الأمور الخارجة عن حقيقة الوجود من الماهية والكمّ والكيف والوضع وغيرها ، فانّ الوجوب هو تأكّد الوجود ، فيكون نفس حقيقة الوجود المبرّى عن كلّ مداخل ، وإلاّ يلزم الاحتياج المنافي لوجوب الوجود. وإذا كان الوجوب نفس حقيقة الوجود الّذي هو غير زائد على ذات الواجب ـ تعالى ـ لا في العقل ولا في الخارج فيجب أن يكون حقيقة الواجب وماهيتها نفس ذاته ـ تعالى ـ لا أمرا عرضيا انتزاعيا ـ كما فهمه المعترض وبنى الاعتراض عليه بقوله بافتخار الشياطين / ٢٣٨ MA /.
وبما ذكر يندفع ما فهمه ، ووجه الاندفاع : إنّه قد مرّ انّ الوجود الّذي قد حكم بانّه عين حقيقة الواجب وذاته انّما هو الوجود الحقيقي الّذي تصوّره بالوجه الممكن بديهي ، وقد مرّ أنّ الحكم بكونه واحدا بديهي حدسي يتحدّس بوحدته بملاحظة الموجودات وما توجد باعتباره وملاحظة وحدة الوجود الانتزاعي ، فانّ الموجودات كلّها بحيث يمكن انتزاع مفهوم الوجود المصدري الانتزاعي منها ، والموجودات الممكنة لا يمكن أن يكون منشأ الانتزاع إلاّ بسبب مدخلية الوجود الحقيقي الّذي غير محتاج في كونه منشئا لانتزاع هذا المفهوم إلى أمر آخر من فاعل أو قابل أو ارتباط بشيء من الأشياء ، وعلى هذا فمراد المستدلّ من قوله : الماهيّة الواجبة الوجود الحقيقي الّذي قد مرّ الاشارة إلى وحدته وإلى كونه عين حقيقة الواجب ، وهو لا يخلوا عن الأقسام الاربعة الّتي رابعها باطل بالبديهة والثلاثة الباقية مستلزمة للمطلوب.
وقال بعض الأفاضل في بيان التحدّس من الموجودات بالوجود الحقيقي ووحدته : إنّ مفهوم الوجود المنتزع من الموجودات لمّا كان مشتركا معنويا بين الموجودات فيكون مفهوم الوجود معنى واحدا مشتركا بين الموجودات ، والمفهوم الواحد لا يجوز أن يكون بإزائه / ٢٤٠ DB / معان مختلفة ، لأنّه لا يكون المفهوم الواحد إلاّ بإزاء معنى واحد ، لأنّ العقل يحكم بديهة بأنّ الأمور المتخالفة المتباينة من حيث انّها متخالفة متباينة وباعتبار محض ذواتها المتباينة لا يكون منشئا ومبدأ ومستلزما لحصول معنى واحد بعينه منها