فلا يكون ما فرض أنّه واجب بالذات واجبا بتمامه ، بل ببعضه ؛ فالواجب بالذات هو ذلك البعض لا المركّب ، فلا يلزم تكثّر الواجب بالذات ؛ انتهى.
وأنت خبير بانّه إذا كان في الوجود واجبان تعيّن كلّ منهما بذاته ، بمعنى أن يكون تعيّن كلّ منهما عين ذاته كما نقول نحن ذلك في الواجب لا يلزم أن يكون الشخص علّة لتشخّصه ، لأنّ تشخّصه حينئذ ليس إلاّ ذاته ، فالصحيح في الجواب ما ذكر أوّلا.
ومنها : برهان أورده بعض الأزكياء ، وهو يتوقّف على تمهيد مقدّمتين :
الأولى : إنّ الوجود وكذا الوجوب من المشتركات المعنوية دون اللفظية ـ كما ثبت في محلّه ـ ؛
والثانية : إنّ كلاّ منهما عين في الواجب ـ سبحانه ـ وليس شيء منهما زائدا عليه ـ كما قرّرناه ـ.
وبعد تمهيد هاتين المقدّمتين نقول : لو كان في الوجود واجبان بالذات لكان وجوب الوجود مشتركا معنويا بينهما لا لفظيا ـ لما عرفت ـ ، فلا يخلوا إمّا أن يكون ذاتيا لهما أو عرضيا ، والثاني باطل ـ للزوم الاحتياج إلى حيثية تقييدية أو تعليلية ، والبرهان الدالّ على عينية الصفات دلّ على أنّه سبحانه لا يحتاج في حمل واجب أو عالم أو قادر وغيرها من الصفات الكمالية عليه تعالى إلى حيثية تقييدية أو تعليلية ، بل ذاته تعالى بذاته مصداق حمل تلك المحمولات. وبالجملة قد حكم البرهان بأنّ نسبة تلك الصفات / ٢٤٣ DA / الكمالية إلى ذاته تعالى كنسبة الانسانية إلى الانسان من حيث عدم الاحتياج إلى حيثية تقييدية أو تعليلية ـ ، فبقي أن يكون وجوب الوجوب قدرا مشتركا ذاتيا ؛ فحينئذ إمّا أن يكون جنسا أو نوعا أو فصلا ، والأوّل ـ أعني : كونه جنسا ـ باطل ، لأنّه لو كان جنسا لكان حقيقته ووجوب الوجود مبهمة في مرتبة الذات ولا يكون متعينة في مرتبته بذاتها ، فلا بدّ لها من التعيّن ومن رافع لابهامها ، والرافع لابهامها هو الفصل ، والفصل خارج عن حقيقة الجنس ، فيلزم أن يكون ما يرفع الابهام عن حقيقة وجوب الوجود خارجا عنها ، والخارج عن حقيقة وجوب الوجود ممكن أو ممتنع ، والممتنع لا يصلح لذلك ـ وهو ظاهر ـ ، فبقي أن يكون ممكنا ، وهو ظاهر البطلان!.