عن مطلق شوائب التركيب واستعلائه التامّ على عمّا عداه لا يكون علمه بشيء حصوليا ولا حضوريا مفتقرا إلى علاقة خارجية ؛ بل منشأ علمه بذاته وبجميع ما عداه هو مجرّد ذاته التامّة ، كما أنّ علم غيره من المجرّدات بمجرّد ذاته كذلك ؛ وسيجيء ـ إن شاء الله ـ بيان كيفية علمه بما عداه بهذا الطريق. فلا يكون فيه تركيب خارجي ولا عقلي أصلا ، ولا يلزم فيه تكثّر سوى انتزع الانكشاف والظهور عن ذاته ، وكذا انتزاع التجرّد وغيره من صفاته من ذاته الحقّة ولا يلزم منه تكثّر وتركّب ـ كما عرفته ـ ؛ هذا.
وبما ذكرناه يظهر الجواب عمّا قيل : كون الشيء عالما ينكشف له المعلومات حال خارجي يغاير لنفس حقيقته ، فلا يكون نفس حقيقة العالم وحدها مصداقا لصدق العالم في علم الشيء بنفسه ، فانّ كلّ شيء في نفسه هو هو لا غيره ، فلو تغيّر عمّا هو عليه في نفسه لاحتاج إلى مصداق آخر وراء ذاته ، فلا بدّ من كون الشيء عالما بنفسه مثلا من أمر آخر غير نفس ذاته يكون مصداقا لعالميته ، فلا يكون العلم بالشيء نفس حصول ذلك الشيء فقط ؛ انتهى.
ووجه الاندفاع : انّه لو أراد من « المصداق » ما هو المنشأ والمبدأ ، فلا نسلّم انّ عالمية كلّ شيء لا بدّ له من مبدأ سوى الذات زائد عليه ، فانّه كما يجوز أن تكون الصورة مصحّحة للانكشاف فلم لا يجوز أن يكون بعض الذوات ـ أي : الذوات المجرّدة ـ أيضا كذلك؟! ؛
وإن اراد كون الشيء عالما ـ أي : تعقّله ـ لا بدّ له من مصداق ـ أي : ما يصدق عليه هذا التعقّل العامّ ـ سوى الذات ـ أي : يكون في ذات المجرّد شيء يصدق عليه انّه فرد أو حصّة من التعقّل غير ذاته ، لانّ الذات لا يكون فردا للتعقل ـ ، ففيه : انّا نلتزم انّه ينتزع من الذات أمر عرضي هو مصداق لمفهوم التعقّل ، وليس فيه فساد ـ كما تقدّم ـ.
وقال بعض الأعلام الإلهيين في الجواب عن الايراد المذكور : انّ كون عالمية الشيء في علم المجرّد بذاته وصفا خارجا عن نفس ذاته غير ممنوع ، بل يكون نفس حقيقة الشيء الغير الجسمي مصداقا لكونه عالما بذاته ولا يحتاج إلى مصداق آخر مغاير لنفسه ، فانّ صدق المفهومات المتغائرة على ذات واحدة لا يستدعي تغاير المصداقات إلاّ إذا استلزم