ممكن فالآخر إمّا أن يقدر على إرادة عدمه أو لا ؛ فان لم يقدر على ذلك لزم عجزه ـ لأنّ عدمه ممكن في حدّ ذاته ـ ؛ وإن كان قادرا على إرادة عدمه فيفرض أنّه أراد ذلك ، وحينئذ فيحصل التخالف بينهما في اختيار وجود الممكن وعدمه ، وحينئذ إمّا أن يحصل مرادهما معا ، أو لا يحصل مراد شيء منهما ، أو يحصل مراد أحدهما دون الآخر ؛ والأوّل مستلزم لاجتماع النقيضين ؛ والثاني موجب لارتفاعهما ، مع عجز الواجبين ؛ والثالث مقتض لعجز أحدهما. والأمور الثلاثة باطلة ؛ فتعدّد الآلهة مستلزم لامكان التخالف ، وامكان التخالف مستلزم لامكان أحد المحالات الثلاثة.
واعترض عليه المحقّق الدواني : بأنّه لقائل أن يقول : إنّا نختار أنّه مع إرادة أحدهما وجود ممكن لا يقدر الآخر على إرادة عدمه ولا يلزم عجزه ، لأنّ العجز عبارة عن عدم القدرة على الشيء ، واستحالة تعلّق الإرادة بشيء / ٢٤٣ MA / لا يستلزم انتفاء القدرة.
فان قيل : يلزم العجز من الإرادة لكون الطرف الآخر ـ أعني : طرف العدم ـ ممكنا في حدّ ذاته ، والمفروض أنّ الواجب الاخر لا يقدر على إرادة هذا الطرف ؛
قلنا : هذا الطرف وإن كان ممكنا بالذات إلاّ أنّه صار ممتنعا بسبب إرادة أحد الواجبين الطرف المقابل ـ أعني : طرف الوجود في فرضنا ـ ، وامتناع تعلّق الإرادة بشيء ممتنع بالغير لا يستلزم العجز ، فانّه يستحيل أن يتعلّق إرادة الباري ـ سبحانه ـ بوجود شيء بشرط عدمه ، مع أنّه لا يلزم عجز من ذلك.
ثمّ قرّر هذا البرهان بوجه لا يرد عليه هذه الخدشة ، / ٢٥٤ DB / وحاصل ما قرّره : إنّه إمّا أن يكون في قدرة أحدهما وارادته ضعف ، أم لا ؛ فان كان ضعف في قدرة أحدهما لزم نقصه ؛ وإن لم يكن ضعف في قدرة أحدهما وارادته فيمكن أن تتعلّق إرادة أحدهما بطرف من طرفي الممكن وإرادة الآخر بالطرف الآخر في آن واحد من غير تقدّم لارادة أحدهما ؛ وحينئذ إمّا أن يحصل مرادهما ، أو لا يحصل مراد شيء منهما ، أو يحصل مراد أحدهما دون الآخر ؛ والأوّل مستلزم لاجتماع النقيضين ؛ والثاني مستلزم لارتفاعهما ؛ والثالث موجب لعجز أحدهما ، مع لزوم الترجيح بلا مرجّح ـ لأنّ المفروض عدم النقصان والضعف في قدرة كلّ منهما ـ.