ويمكن أن يقرّر هذا البرهان بوجهين آخرين :
أحدهما : إنّه لمّا كان كلّ منهما قادرا على جميع الممكنات فان لم يكن تعلّق إرادة أحدهما بأحد الطرفين مانعا من تعلّق إرادة الآخر بالطرف الآخر لكان تعلّق إرادة الآخر بالطرف الآخر ممكنا ، فيلزم أحد المحالات الثلاثة ؛ وان كان مانعا لزم الترجيح بلا مرجّح ، إذ ليس إرادة أحدهما بمنع إرادة الآخر أولى من العكس.
وثانيهما : إنّه لا يخلو إمّا أن يكون كلّ منهما قادرا على جميع الممكنات ، أو لا ؛ والثاني باطل ، فتعين الأوّل ، وحينئذ يلزم أن لا يوجد ممكن أصلا ، إذ لو وجد ممكن من الممكنات لزم الترجيح بلا مرجّح ، أو توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد ، أو عجزهما. بيان الملازمة : إنّ الممكن الّذي يصير موجودا إمّا أن يصير موجودا من أحدهما ، أو من كليهما ، أو لا يكون موجودا بشيء منهما ، والأوّل يوجب الترجيح بلا مرجّح ـ لأنّ نسبة الممكنات إليهما على السواء ، فصيرورته موجودا من أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ـ ، وعلى الثاني يلزم توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد ، وعلى الثالث يلزم عجزهما ، لعدم استقلال كلّ منهما بالايجاد.
وقد اشير إلى هذا البرهان ـ أعني : برهان التمانع ـ في الكتاب الالهي بقوله ـ سبحانه ـ : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) (١). قال بعض العرفاء : البرهان المستفاد من هذه الآية أقوى البراهين وأتمّها ، وبيان ذلك : إنّ لفظ الجلالة موضوع في الجاهلية والاسلام لصانع العالم المستجمع لجميع الصفات الكمالية والسمات الجلالية الجمالية المنفرد بايجاد كلّ فرد فرد من الممكنات الكلّية والجزئية العالم بجميع الكلّيات والجزئيات بحيث لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ؛ ويدلّ على ذلك قوله ـ سبحانه ـ : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (٢) ، وعلى هذا فلو كان الآلهة متعدّدة لكان كلّ واحد منها بهذه الصفة ـ وإلاّ لم يكن إلها ـ ، فيكون تأثير كلّ واحد منها في كلّ فرد من اجزاء النظام الجملي بحيث لو لم يكن غيره من الآلهة موجودا لكان العالم على ما هو عليه منتظما من غير افتقاره في جزء
__________________
(١) كريمة ٢٢ ، الأنبياء.
(٢) كريمة ٢٥ ، لقمان.