ذلك الصدق اختلاف حيثيات ، وهو فيما نحن بصدده ـ أي : علم المجرّد بذاته ـ غير ممنوع ؛ وإن سلّم في غيره. قال الشيخ في التعليقات : « اذا قلت انّى أعقل الشيء فالمعنى انّ أثرا منه موجود في ذاتي ، فيكون لذلك الأثر وجود ولذاتي وجود ، فلو كان وجود ذلك الاثر لا في غيره بل فيه لكان أيضا يدرك ذاته ، كما انّه لمّا كان وجوده لغيره ادركه الغير. ومن توهّم أن كون المجرّد عالما بذاته وصف زائد على ذاته يستدعي مصداقا لزمه القول بعدم كون الواجب الحقّ عالما بذاته إلاّ بعد تحقّق أمر زائد على ذاته ـ تعالى ـ ، وهو باطل ؛ انتهى.
وأنت خبير بانّه إن كان مراده : انّ علم الشيء بنفسه ـ أعني : انكشافه لديه وظهوره بين يديه ـ هو عين وجوده وحقيقته وليس للانكشاف مصداق مغاير لنفسه ـ وبالجملة انّ حقيقة المجرّد ووجوده هو عين الانكشاف في الخارج بمعنى كونه فردا لهذا الامر الاضافي ـ ، فقد علمت انّه ليس الأمر كذلك ، لانّ ظهور المجرّد عند ذاته انّما هو لازم ذاته لا عينه ، ولا يلزم تغاير يوجب الفساد ، لكونه امرا اعتباريا انتزاعيا ؛ وكلام الشيخ أيضا لا يدلّ على العينية بمعنى كون الذات فردا منه ، فانّ ما هو موضع الاستشهاد من كلامه ـ أعني : قوله : « فلو كان وجود ذلك الاثر لا في غيره بل فيه ... الى آخره » ـ انّما يدلّ على انّ المجرّد يدرك ذاته ، لانّ معنى التعقّل للشيء أن يتحقّق أثر موجود في المعقول للعاقل. فاذا كان أصل هذا الأثر موجودا في العاقل لكان مدركا لذاته. فحاصل كلام الشيخ : انّ المجرّد يدرك ذاته من / ١١٩ DA / غير احتياج إلى شيء زائد عن ذاته ، / ١٢٤ MA / بل ذاته مصحّح ومنشأ له ، فيرجع الى الطريقة الّتي اخترناها ، ولا يدلّ على أنّ الذات فرد من هذا الادراك ؛
وان كان مراده : انّ عالمية المجرّد بذاته لا تحتاج إلى مصداق ـ أي : مبدأ ومصحّح ـ سوى ذاته ليرجع إلى الطريقة المختارة ، فهو حقّ ومطابق لكلام الشيخ. فعلى ما اخترناه علم المجرّد بذاته وجميع الصفات الكمالية للواجب مبدئها ومنشأها عين الذات من غير افتقار إلى شيء آخر زائد على الذات ـ من قوّة أو صورة أو ذاتي أو غيرها ـ يكون مبدأ لها إلاّ أنّ الذات ليست عين تلك الصفات بمعنى كونها فردا لها ، لأنّها أمور اعتبارية