فيلزم إمّا حدوث الواجب أو ازلية بعض الحوادث ، ومنع ذلك مكابرة صرفة.
ومنها : إنّه قد ثبت فيما تقدّم أنّ الواجب ـ سبحانه ـ متعال عن الزمان والزمانيات ـ لاحاطته بهما وارتفاعه عنهما ـ ، فلا تغيّر فيه أصلا ، ولو كان بمجرّد معنى الانتقال من حال إلى حال لا بمعنى التغيّر في الواجبية أو التأثير والانفعال عن الغير ، لأنّ مطلق التغيّر من لوازم الزمان فلا يتّصف به إلاّ الزمانيات ، والباري ـ سبحانه ـ / ٢٤٤ MB / متقدّس عنه محيط به. ولا ريب في كون الاتصاف بالحوادث تغيرا وكونه من صفات الزمانيات ، فالواجب الحقّ والقيوم المطلق متعال عنه.
فان قيل : إنّه ـ سبحانه ـ صار موجودا وخالقا للعالم بعد ما لم يكن وصار عالما بانّه وجد بعد أن كان عالما بانّه سيوجد ، فقد حدث فيه الخالقية وصفة العلم ؛ وكذا انّه ـ تعالى ـ متكلّم سميع بصير ولا يتصوّر هذه الأمور إلاّ بوجود المخاطب والمسموع والمبصر ، وهي حادثة توجب حدوث هذه الصفات ؛
قلنا : قد بيّنا في كيفية علمه ـ سبحانه ـ بالأشياء المتغيرة بانّها على وجه لا يلزم التغيّر فيه أصلا ، ولا ريب في أنّ السمع والبصر أيضا راجعان إلى العلم ؛ وأمّا الخالقية والتكلّم فالخلق والتكلّم اللذان هما عين ذاته ـ أعني : القدرة على ايجاد الأشياء بالفعل وعلى ايجاد الكلام اللفظي ـ فلا تغير ولا حدوث فيهما أصلا ؛ وأمّا الخلق بمعنى الايجاد الفعلي والتكلّم بمعنى ايجاد الكلام بالفعل فليسا من الصفات القائمة بذاته ، بل هما من الاضافات المحضة والتغيّر فيهما جائز. وبالجملة التغيّر والحدوث اللذان يتوهّمان في بعض الصفات إنّما هو تغير في الاضافة بالنسبة إلى الأشياء ، والحادث انّما هو تعلّق تلك الصفات ، والتغيّر والتجدّد والحدوث في التعلّقات والاضافات لا منع فيه ، لأنّه يلزم منه محلّيته ـ تعالى ـ لحادث ، وهو / ٢٤٧ DA / باطل.
وبعد ما ثبت أنّ الواجب ـ سبحانه ـ صرف الوجود ومحض الموجود وليس فيه نقص وافتقار وانّه ليس جسما وجسمانيا يثبت منه نفي التحيّز والحلول والاتحاد والألم واللذّة المزاجية عنه ـ سبحانه ـ.