انتزاعية ومحقّق الحقائق كيف يكون عين الأمر الاعتباري؟!. ولكونها اعتبارية انتزاعية وإن كانت نفس أمرية لا يلزم التعدّد والتكثّر في الذات ، وعينية الصفات حينئذ راجعة إلى عدم تحقّق أمر زائد في ذاته يكون مصحّحا لتلك الصفات الاعتبارية الانتزاعية ـ أعني : الانكشاف والوجود العامّ وصحّة الفعل والترك والايجاد وغير ذلك ـ ، بل الذات من حيث هي منشأ ومصحّح لذلك.
ثمّ انّ الامام الرازي في المباحث المشرقية اعترض على عدم كون علوم المجرّدات بذواتهم غير زائد على ذواتهم : بأنّ الأشياء الّتي تعقل ذواتها لو كان عقلها لذواتها غير زائد على ذواتها لكان من عقلها عقلها عاقلة لذواتها ، وليس كذلك ؛ إذ اثبات كونها عاقلة لذواتها يحتاج إلى تجشّم اقامة برهان ، وبيان اثبات علمها غير بيان اثبات وجودها. وكذا ليس من اثبت وجود الباري ـ تعالى ـ اثبت علمه بذاته ـ تعالى ـ بل يلزمه اقامة حجة أخرى له ؛ انتهى.
ولا يخفى انّه على ما ذكرنا من انّ المراد بعينية علم المجرّد بذاته وعدم زيادته على ذاته وكذا عينية صفات الواجب لذاته هو انّ العلم الّذي هو الانكشاف كغيره من الصفات الكمالية أمر اعتباري منتزع عن ذاته ليس شيئا خارجيا منضمّا إلى الذات ومع ذلك سبب لزيادة البساطة والوحدة ، فسقوط اعتراضه ظاهر ؛ لانّ تعقّل المجرّد لذاته ليس حينئذ عين ذاته بمعنى كون ذاته فردا له ، بل هو من لوازمه واعتباراته ، والعلم بوجود الشيء لا يوجب العلم بلوازمه المنتزعة عنها. فاذا علمنا وجود مجرّد لا بدّ أن يثبت بدليل مستأنف انّ من لوازمه تعقّله لذاته بذاته. نعم! ، لو فرض تعقّلنا له بكنهه وبجميع الوجوه فيلزم حينئذ انّا نعقله عاقلا لذاته.
وأمّا على ما ذهب إليه الفارابي وبهمنيار من كون وجود المجرّد نفس تعقّله لذاته وكونه مصداقا لهذا التعقّل فقال بعض الذاهبين الى طريقتهم في الجواب عنه : انّ معقولية الشيء عبارة عن وجوده لشيء له فعلية الوجود والاستقلال ـ أعني : كونه غير قائم بشيء آخر ـ ، فالجوهر المفارق لمّا كان بحسب الوجود العيني غير موجود لشيء آخر ـ بل كان موجودا لذاته ـ كان معقولا لذاته ، وإذا صارت مهيته في عقل آخر فصارت بهذا