الاعتبار موجودا لشيء آخر ووجودا ذهنيا لذاته ، فلا جرم صارت معقولة لذلك الشيء الآخر لا لذاته. وإذا لم يكن له بهذا الاعتبار ـ أي : باعتبار وجودها في ذلك العاقل عاقلة لذاتها ـ فكيف عقلها ذلك العاقل عاقلة لذاته بهذا الاعتبار؟. ومحصّل القول : انّ عالمية الجواهر المجرّدة لذاتها هي عين وجودها لا عين ماهيتها ، وإذا كان كذلك فلا يلزم من عقل ماهية الجواهر المجرّدة عقلها عاقلة لذاتها ؛ اللهم إلاّ فيما يكون وجوده عين مهيته ـ كالواجب ـ. ولما استحال ارتسام حقيقته ـ تعالى ـ في ذهن من الأذهان بالكنه بل ينحصر تعقّلنا له بالتعقّل بوجه من الوجوه ـ ككونه واجب الوجود بحسب المفهوم العامّ ـ لا يلزم من تعقّلنا له تعقّلنا عقله لذاته ، بل يحتاج إلى استيناف بيان وبرهان. ومن توهّم أنّ في كون الشيء عالما بنفسه يكون موضوع العالمية مغايرا لموضوع المعلوميّة بالاعتبار وقايسه إلى معالجة الشخص نفسه ـ إذ هو من حيث انّه معالج غيره من حيث انّه مستعلج ، فالمؤثّر النفس من حيث حصول ملكة المعالجة لها والمتأثّر من حيث قبوله للعلاج ـ ، لزمه القول بتكثّر الحيثيات التقييدية في ذاته ـ تعالى ـ من حيث كونه عالما بذاته ومعلوما لذاته. ولقد صرّح الشيخ الرئيس في الشفا والتعليقات بأنّ نفس كون الشيء عاقلا ومعقولا لا يوجب أن يكون هناك اثنينية في الذات ولا في الاعتبار ، فالذات واحدة والاعتبار واحد ، فانّه ليس تحصّل الأمرين / ١٢٤ BM / إلاّ اعتبار أنّ له ماهية مجرّدة هي ذاته / ١١٩ DB / وانّه ماهية مجرّدة لذاته ذاته له. لكن في الاعتبار تقديم وتأخير في ترتيب المعاني ، والغرض المحصّل شيء واحد. ولا يجوز أن يحصّل حقيقة الشيء مرّتين ؛ انتهى كلامه بانتهاء كلام الشيخ.
اقول : حاصل كلامه في الجواب عن اعتراض الامام : انّ من تعقّل الجواهر المجرّدة فانّما تعقّل ماهيتها دون وجودها الخارجي ، وماهيتها ليست عين عالميتها بذواتها حتّى يلزم من تعقل ماهيتها تعقّل عالميتها بذواتها ، بل وجودها الخارجي عين عالميتها بذواتها وهو غير معقول لمن تعقّلها حتّى يعقل عالميتها بذواتها ، لانّ الوجود الخارجي حقيقته انّه في الخارج فلا يحصل في الذهن ، إذ لو حصل فيه لزم قلب الحقيقة. وجميع ما يعقل من الاشياء انّما هو ماهيتها وما وجوده عين مهيته ـ كالواجب ـ لا يحصل في الأذهان مطلقا ؛