اعتبار العالمية والمعلومية الّذي هو اعتبار واحد غير الذات.
ثمّ هذا الاعتبار ـ أعني : الانكشاف ـ كغيره من الاعتبارات الانتزاعية من مجرّد الذات مع كونها منشأ لزيادة الوحدة والبساطة لا يوجب تكثّرا وتعدّدا في الذات الحقّة ـ كما أشير إليه مرارا ـ.
وبما ذكرناه يظهر لك ما في كلام بعض الأعلام الإلهيين حيث قال في تصحيح الطريقة المبتنية على كون التعقّل عين الوجود : انّ ما هو بريء الذات عن علائق الموادّ وله وجود صوري ذاته له للمادة ولا لغيرها فذاته غير محتجبة عن ذاته ، بل نفس وجوده نفس كونه معقولا وذاته بعينها هي الصورة العقلية من ذاته لذاته فكما أنّ الحرارة القائمة بالنار حرارة لها وإذا فرضت قائمة بذاتها كانت حارّة بنفسها وحرارة لذاتها لا لشيء آخر والضوء القائم بالشمس إذا تجرّد وقام بذاته كان مضيئا بنفسه وضوء لذاته لا لشيء آخر ، كذلك الصورة المجرّدة ما دامت قائمة بالجوهر المفارق كانت معقولة المحلّ وعقله ، وإذا صارت مجرّدة بنفسها قائمة بذاتها لم تنسلخ عن المعقولية ، بل كانت معقولة بنفسه وعقل ذاته. وكما انّ المعلوم العيني يعلم بالصورة العلمية والصورة تعلم بنفسها ـ لا بصورة علمية أخرى ـ ، فكذلك الأشياء الّتي هي / ١٢٠ DA / غير القوّة العقلية انّما يتعقّل بقوّة عقلية والقوّة العقلية يتعقّل بنفسها لا بقوّة عقلية أخرى. وقد تبيّن بذلك / ١٢٥ MA / انّ العلم انّما هو حصول الشيء معرّى عمّا يلابسه لأمر مجرّد مستقلّ في الوجود بنفسه أو بصورته حصولا حقيقيا أو حكميا. فواجب الوجود لمّا كان في أعلى غايات التجرّد عن الموادّ والتقدّس عن الغواشي الهيولانية وسائر ما يجعل الماهية بحال زائدة كان عاقلا لذاته. ولمّا كان إنّيته حقيقته ـ أي : وجوده مهيته ـ فكما لا يزيد علمه بذاته على وجوده فكذلك لا يزيد على حقيقته ، بخلاف الجواهر المفارقة الذوات فعلومها بذواتها وان لم تزد على وجوداتها ـ لما ذكرنا من المساوقة بين العلم والوجود المفارقي سواء كان بالذات أو بتجريد مجرّد ـ لكن يزيد على ماهيتها ، إذ ليست الإنّية فيها عين الماهية. فعلم واجب الوجود الحقّ بذاته اتمّ العلوم وأشدّها صورة ، بل لا يشبه علمه بذاته إلى علوم ما سواه من المجرّدات بذواتها ، كما لا يشبه بين وجوده ووجودات الاشياء حيث هو ما وراء ما