لا يتناهى بما لا يتناهى. وكما انّ مناط الموجودية ومصداق حمل الوجود على الممكنات إنّما هو ارتباطها بالوجود الحقّ وهي مع قطع النظر عن ذلك الارتباط هالكات الذوات والحقائق ، فكذلك مناط عالميتها بنفسها أو بغيرها ارتباطها إلى نور الأنوار واستضاءتها به ، نسبتها إليه ـ تعالى ـ نسبة الاجسام الكثيفة إلى نور الشمس لو كان قائما بنفسه فهي مظلمة بذواتها مستضيئة بلمعان نوره الغير المتناهى شدّة وقوّة. ولشدّة نوريته وقوّة اشراقه وافراط ظهوره يتجافى عنه الحواسّ ولا يدركه العقول والأبصار ؛ انتهى.
وحاصل ما ذكره أوّلا : هو التصريح بكون وجود المجرّد عين عاقليته ومعقوليته ، والاستشهاد بالحرارة والضوء إذا فرض قيامها بذاتها. وأنت تعلم انّ هذا الاستشهاد لا يفيد المطلوب ، بل قياس مع الفارق! ؛ لأنّ كلّ واحد من الحرارة والضوء إذا قام بذاته فلا ريب في كونه حرارة وضوء لذاته وحارّا ومضيئا لنفسه ، إلاّ أنّه لا يكون وجود كلّ منهما عين الحرارة والضوء ، فانّ وجودهما مغاير لهما عند العقل ، كما إذا كانا قائمين بالمحلّ أيضا. فكذلك الصورة المجرّدة إذا قامت بذاتها تكون معقولة لنفسها إلاّ أنّ عاقليتها ومعقوليتها ليست عين وجودها بمعنى كون وجودها العيني فردا لها ، بل تعقّلها لذاتها أمر لازم لذاتها منتزع عنها ، بل الصورة المجردة إذا قامت بالجوهر المفارق يكون وجودها غير معقوليتها ، لانّ المراد بمعقوليتها هو انكشافها عند المحلّ ولا ريب أنّ وجودها للمحلّ وقيامها به غير هذا الانكشاف ، فانّه لازم وجوده له وقيامه به.
ثمّ قوله : « وكما أنّ مناط الموجودية ومصداق حمل الوجود ـ ... إلى اخر ـ » اشارة إلى طريقة المتصوّفة في وحدة الوجود والصفات ، فانّهم قالوا : كان الوجود واحدا هو الوجود الواجبي ، وموجودية الممكنات انّما هو لمجرّد الارتباط والتعلّق بالموجود الواجبي ، فكذلك قالوا : انّ العلم واحد وهو حقيقة الوجود الواجبي وعالمية الممكنات لأجل ارتباطها وانتسابها إليه ، وكذلك الحال في القدرة ـ كما اشرنا إليه ـ ، وكذا في سائر الصفات. وقد اشرنا إلى انّ درك ذلك والاذعان به غير ممكن لنا.
وقد يأتي لذلك ولكيفية عينية صفاته ـ تعالى ـ وما قيل فيها زيادة بيان في موضعه ؛ وانّما تعرّضنا لذلك هنا بحيث أدّى إلى الاطناب وأوجب ملالة الاحباب وسآمة