الأصحاب تطفّلا لما كنّا في صدد بيانه ، لشدّة الاحتياج إليه وتوقّف إيضاح المطلوب عليه.
وقد ظهر وتحقّق من التطويل المذكور انّ التجرّد مصحّح للانكشاف ، وإذا حصل أحد العلاقات المذكورة يحصل الانكشاف بالعقل فكلّ مجرّد قائم بذاته لوجود علاقة حضوره عند ذاته عاقل لذاته إلاّ انّ تعقّله ليس عين وجوده ، بل هو شأن من شئونه ومنتزع عنه انتزاعا لا يوجب التعدّد والتكثّر. وبهذا يثبت ما كنّا بصدد بيانه ـ أعني : كون كلّ مجرّد عاقلا لذاته ـ. وقد علمت انّ الطريق الّذي سلكناها لاثبات ذلك ـ أي : كون كلّ مجرّد عاقلا ـ غير الطريق المنقولة عن القوم في ذلك ، فانّ لهم ثلاثة مسالك في ذلك :
أولها : ما نقلناه عن بهمنيار ، وقد عرفت حاله ؛
وثانيها : الاستدلال بحال النفوس الناطقة للانسان ، / ١٢٠ DB / فانّه لا ريب في انّ النفوس الانسانية المجرّدة عالمة ومنشأ عالميتها ليس الاّ تجرّدها ، قال بعض المشاهير : حكم الحكماء بأنّ كلّ مجرّد عاقل وكلّ معقول مجرّد انّما نشأ من تفتيش عن احوال النفوس المجرّدة الانسانية وادراكاتها ، وليس منشأ عالميتها الاّ تجرّدها.
وأنت تعلم انّ هذا وان كان حقّا إلاّ انّه يحتاج إلى البيان ، ومجرّد جعل ذلك دليلا مصادرة على المطلوب ، فلا بدّ من بيانه إمّا بدليل يتمّ عند أهل النظر ـ كما ذكرناه ـ أو بالحوالة إلى الكشف أو الحدس ؛
وثالثها : ما سلكه المحقّق الطوسي في مبحث الاعراض من التجريد ، وهو : انّ كلّ مجرّد يصحّ أن يكون معقولا ، لانّه بريء عن الشوائب المادية وكلّ ما هو كذلك فشأن ماهيّته / ١٢٥ MB / أن تكون معقولة ، لانه لا يحتاج إلى عمل يعمل بها من التجريد والتقشير حتّى يصير معقولة. فان لم يعقل فانّما ذلك من جهة عدم تحقّق العاقل لها. وإذا صحّ كونه معقولا فيصحّ أن يكون معقولا مع غيره ، لانّ كلّما يصحّ أن يعقل فتعقّله يمتنع ان ينفكّ عن صحّة الحكم عليه بالوجود والوحدة وما يحكم مجريها من الأمور العامّة المعقولة ـ كالعلّية والمعلولية والشيئية ونحوها ـ. والحكم بشيء على شيء يقتضي تصوّرهما معا ، فاذن كلّما يصحّ أن يكون معقولا يصحّ أن يعقل مع غيره ، وكلّما يصحّ أن يكون معقولا مع غيره يصحّ أن يكون منها بالمعقول الآخر ، لانّها لمعيته في المعقولية هو