والثاني : ما هو نور في ذاته ولكنّه ليس قائما بذاته ، بل هو قائم بمحلّ ، ويسمّونه : « النور العارض » ؛
والثالث : ما ليس بنور في ذاته ولكنّه قائم بذاته ، ويسمّونه : « الجوهر الغاسق » ـ كالجسم ـ ؛
والرابع : ما ليس نورا في ذاته وليس قائما بذاته ، بل قائم بالمحلّ ، ويسمّونه : « الهيئة الظلمانية ».
وقالوا : العاقل لذاته من هذه الاقسام الاربعة منحصر بالقسم الأوّل ـ أعني : ما هو نور في ذاته لذاته ـ ، والبواقي غير عاقلة وليس من شأنها العاقلية ، فالجسم واجزائها ـ من الهيولى والصورة ـ لكونها غاسقة ليست بأنوار في ذواتها ، فلا تكون شاعرة ، والنور العارض ـ كضوء الشمس ـ والصور المعقولة المجرّدة وإن كانت نورا في ذاتها لكن لكونها غير قائمة بذاتها لا تكون شاعرة أيضا ، فعندهم كلّ نور في ذاته لذاته هو شاعر وكلّ شاعر هو نور في ذاته لذاته. وهذا النور ليس الاّ المجرّد القائم بذاته البري عن شوائب الجسمانيات ، فينحصر بالواجب والعقول والنفوس.
ثمّ لمّا رأوا انّ المشائين حصروا المانع من العاقلية في كون الشيء موجودا لغيره غير قائم بذاته فظنّوا أنّهم يقولون انّ ما هو موجود لذاته غير قائم بغيره يكون عاقلا ولو كان غاسقا ، فأوردوا عليهم النقض بالهيولى لكونها موجودة لذاتها غير قائمة بغيرها ؛ وقالوا : يلزم عليكم أن تكون الهيولى شاعرة بنفسها ، بل بالصور والهيئات الحالّة فيها أيضا لكونها موجودة لها حاضرة عندها غير غائبة عنها ـ كما صرّح به الشيخ الألهي في حكمة الاشراق حيث قال ردّا على المشائين : « واعترفوا بأنّ الهيولى ليس لها تخصّص إلاّ بالهيئات الّتي سمّوها صورا. والصور إذا حصلت فينا ادركناها وليست الهيولى في نفسها إلاّ شيئا ما مطلقا أو جوهرا ما عند قطع النظر عن المقادير وجميع الهيئات كما زعموا ، ولا شيء في نفسه أتمّ بساطة من الهيولى سيّما جوهريتها الّتي هي سلب الموضوع عنها ـ كما اعترفوا به ـ ، فلم ما ادركت ذاتها لهذا التجرّد وما ادركت الصور الّتي فيها؟! » (١).
__________________
(١) راجع : حكمة الاشراق ، ص ١١٥ ؛ ويوجد اختلاف يسير بين ما في المتن وما في المطبوع