ثمّ انّه ربما يورد هاهنا شبهتان لا بدّ لنا من ايرادهما ودفعهما :
الشبهة الأولى : انّ الوجود إذا كان هو الظهور ـ الّذي هو التعقّل ـ أو مستلزما له لزم كون الهيولى شاعرة بنفسها ، لأنّها ليست معدومة بل هي موجودة بوجود ضعيف. ومعنى كونها بالقوّة ليس أنّها معدومة صرفة ، فاذا كان الوجود هو الظهور أو مستلزما له وللهيولى وجود لا محالة وإن كان ضعيفا ولكن ذلك الوجود الضعيف قائم بذاته لزم كونها ظاهرة لذاتها. غاية ما في الباب أن يكون ظهورها لذاتها ظهورا ضعيفا بإزاء وجودها الّذي في غاية الضعف ، فيكون لها شعور ضعيف بذاتها. وقد ظنّ ذلك جماعة وذهبوا إلى ذلك ، ولذا حكموا بتحقّق عشق الهيولى وسراية نور العشق ـ الّذي هو فرع الشعور ـ في جميع الموجودات ، وقالوا : لو لا عشق الهيولى لم يظهر سراية نور العشق في جميع الموجودات.
الشبهة الثانية : انّه لو سلّم انّ الهيولى ليس لها وجودا بالفعل من ذاتها أصلا ولكن لا ريب في أنّها بعد ضمّ الصورة إليها تصير موجودا بالفعل بمقارنتها لها ، فمعنى قولهم : انّ الهيولى ليس لها وجود بالفعل انّها بمحض ذاتها لا يمكن صيرورتها بالفعل ، لا انّها ليست موجودة في نفس الأمر لا يصير بالفعل في نفس الامر فكما انّ قولهم : « الممكن في حدّ ذاته ليس بموجود بل عدم محض » ليس معناه انّه ليس بموجود في نفس الأمر ولم يتصف بالوجود بالفعل ـ لانّ خلافه ظاهر ـ ، بل المراد انّه ليس الوجود من مقتضى ذاته ، فكذا الحال في قولهم : « الهيولى ليس لها وجود بالفعل » ، وإذا كان كذلك فتكون الهيولى موجودة بالفعل في نفس الأمر بعد ضمّ الصورة وان لم يكن حصول هذا المعنى من مقتضى ذاته. وظاهر انّ هذا يكفي لظهورها وكونها عالمة بنفسها لو كان مناط العالمية هو ما ذكروه ـ أعني : كون الشيء مجرّدا موجودا بالفعل قائما بذاته ـ ، اذ لا يجب في العالم أن يكون وجوده من ذاته وإلاّ لخرج جميع الممكنات عن العالمية ، لانّ وجودها من عللها.
والجواب عن الشبهة الاولى : انّ الظهور أو المستلزم له انما هو الوجود بالفعل ـ كما عرفت ـ ، والهيولى ليس موجودا بالفعل أصلا ، لانها قبل ضمّ الصورة إليها لا وجود لها