لا مانع من تحقّق الوجود الرابطي بما هو متضمّن القوّة بالنسبة إلى موجود بالفعل ، فالمادّة والمادّيات لا تأبى عن ذلك. بخلاف العالمية ، فانّ مناطها كون العالم موجودا بالفعل. والحاصل : انّ مناط المعلومية امكان الوجود الرابطي وهو يتأتى في الفعلية المنضمّة للقوّة ، ومناط العالمية هو الفعلية الصرفة الغير المنضمّة للقوّة أصلا.
فان قيل : على هذا يلزم أن لا يكون شيء من الممكنات عالما ، لانّ كلّ فرد من الممكنات باعتبار ذاتها بالقوّة ، فالقوّة متضمّنة في فعليتها وقد قلتم انّ الفعلية المتضمّنة للقوّة لا يمكن أن تصير مناطا للعالمية ؛
قلت : القوّة الّتي للمجرّدات الممكنة إنّما هو بالنظر إلى ذاتها لافتقارها إلى العلّة وبعد وجودها عنها وصيرورتها بالفعل لا تبقى فيها قوّة أصلا ؛ وأمّا الهيولى والهيولانيات فلا تخرج عن القوّة أصلا ، بل بعد وجودها تبقى فيه القوّة أيضا. فمناط العالمية هو الفعلية بعد الوجود ، وهي متحقّقة في المجرّدات دون الماديات. وأمّا الفعلية بالنظر إلى الذات بحيث يكون دائما بالفعل في وجوده وصفاته فاشتراطها غير لازم.
وقيل في الجواب : انّ المراد بالقوّة الّتي هي مانعة من التعقّل إنّما هي القوّة المتقاربة عن الفعل لا القوّة المخلوطة بالفعل. والحاصل : انّ القوّة والفعل قد يكونان متقاربين ـ كما في الهيولى والهيولانيات ـ ، وقد يكونان غير متقارنين ـ كما في المجرّدات ـ ، وكلامنا هنا في الأوّل دون الثاني.
ثمّ لا يخفى انّ النقض انّما هو بناء على ما ذهب إليه المشّاءون من أنّ الجسم مركّب من الجزءين : أحدهما الهيولى ، وثانيهما : الصورة. وأمّا على ما ذهب إليه الرواقيون من أنّ الجسمية حقيقة واحدة قائمة بذاتها واطلاق الهيولى في عرفهم انّما هو على تلك الجسمية فالظاهر عدم ورود النقض بها ، لانّها مع تضمّنها القوّة كالهيولى ليست أمرا بسيطا مجرّدا. ولقائل أن يدّعى عدم الفرق في توهّم ورود النقض بينها وبين هيولى المشائين ، لكونها قائمة بذاتها وأقرب الى الفعلية من الهيولى وإن كانت الهيولى أبسط منها.
وقد تحقق مما ذكر بطوله أنّ العالمية مختصّة بالمجرّد ليس لمادّي تعقّل بوجه.
وقد بقي الكلام في أنّ المراد من العالمية المختصّة بالمجرّد هل هو مطلق الادراك الشامل