يأخذ صفوه الخالص الّذي هو المجرّد الصرف أو يشاهده فيه بالعلم الحضوري ؛ وهذا في الادراك الجزئى الحصولي الّذي يكون بانطباع الصور وارتسامها. ولا يلزم منه قدح في الكلّية الّتي ذكرناها من اختصاص التعقّل بالمجرّد ، لانّ التعقّل في العلم الحصولي انّما هو ادراك الصور الكلّية المجرّدة ولا ريب في / ١٢٤ DA / اختصاصه بالقوّة العاقلة ، لأنّ ادراكات الحواسّ ـ كما عرفت ـ ليس بتجريد تامّ ، بل مدركاتها مقارنة للواحق المادّية.
وأمّا الثاني ـ أي : الادراك الحصولي الّذي يكون المدرك فيه معنى جزئيا منتزعا عن الأشياء الخارجة مع بعض اللواحق المادية والغواشي الجسمانية ـ : فكادراك الواهمة للمعاني الجزئية ، فانّ تلك المعاني ليست صورا لأصل خارجي ، لكنّها أمور جزئية منتزعة عن بعض الأشياء العينية مرتسمة في تلك القوّة ، فيكون مدركه بادراك حصولى جزئي. ثمّ النفس الناطقة تجرّد تلك المعاني الجزئية وتقشّرها عن اللواحق الجزئية وتدركها على سبيل الكلّية أو تشاهدها في القوّة الواهمة بالمشاهدة الحضورية للربط الحاصل بينهما. وعلى التقديرين لا يلزم أيضا نقض في القاعدة الكلّية ـ أعني : اختصاص التعقّل الحصولي والحضوري بالمجرّد ـ.
وتلك المعاني الجزئية المدركة للواهمة ليست على سبيل التجريد التامّ حتّى يكون علما حصوليا كلّيا ، ولا على سبيل المشاهدة الحضورية حتّى يكون علما حضوريا ، فينحصر العلمان بالمجرّد ، وشأن الحواسّ انّما هو الاحساس الّذي هو انتزاع الصور أو المعاني من الأشياء الخارجية مع اللواحق المادية والغواشي الجسمانية. وهذا لا ضير فيه ، لأنّه لمّا حصلت لتلك القوى بعد ما عن المادّية وقرب ما إلى التجرّد فاستعدّت للادراك بهذا الوجه. هذا هو ما يتعلّق بالمذهب الأوّل من التوضيح والتحقيق.
وامّا على المذهب الثاني فلا يكون لشيء من الحواسّ ادراك أصلا ، وانّما هي شروط لادراك القوّة العاقلة ، وعلى هذا يلزم أن يكون للحيوانات العجم نفوس ناطقة ـ كما ذهب إليه جماعة ـ.
وربما يورد على هذا المذهب بانّه لا ريب في انّ الصور والمعاني الجزئية مدركة لنا مع قطع النظر عن القوّة الباصرة وغيرها من الحواسّ الظاهرة ، فان كان مدركها منحصرا