بالنفس / ١٢٩ MA / الناطقة ولم يكن مدركة للخيال والواهمة أصلا لزم تعطّل هاتين القوّتين رأسا ؛ وإن كانت مدركة لهما ولو بوجه لزم تحقّق الادراك لغير القوّة العاقلة. ويمكن أن يقال : انّهما مثل القوّة الباصرة في كونهما من الشرائط لادراك النفس بمعنى انّ ادراك النفس لتلك الصور والمعاني يتوقّف على انطباعها وارتسامها في الخيال والواهمة ، ولم تكن مدركة لهما حتّى تدركها النفس بالعلم الحصولي الكلّى أو الحضوري الجزئى. ومجرّد انطباع الصورة في الباصرة لا يكفى لادراك النفس لها ، بل يتوقّف على وصول الأثر منها إلى الخيال وانطباعه فيه حتّى تدركه النفس. وعلى هذا يكون فعل هذه القوى منحصرا بكونها محلّ الارتسام والانتقاش للصور والمعاني لتدركها النفس منها ويشاهدها فيها ولا يحصل لها ادراك شعوري أصلا ؛ وحينئذ لا يلزم تعطّل تلك القوى.
نعم ؛ يلزم ما اشير إليه من تحقّق نفوس مجرّدة للحيوانات ، والتزامه على قواعد الملّة مشكلة.
ثمّ الأمر في ادراك سائر القوى ـ من اللامسة والسامعة والذائقة وغيرها مما يشابه الادراك الّذي هو غير الشعور والظهور ـ على المذهب الأوّل ظاهر ، لانّ تلك القوى حينئذ مدرك محسوساتها وبعد ادراكها يشعر بها النفس بالعلم الحضوري ويحصل بها التذاذ أو تألّم من هذه الجهة ـ أي : من جهة علمها بها ـ. وأمّا على المذهب الثاني فيمكن أن يقال : انّ المدرك لهما أيضا هو النفس ، ويمكن ان يكون الأمر فيها كما في المذهب الأوّل.
ثمّ على المذهبين انّما يتوقّف ادراك النفس على هذه القوى لقصور في تجرّدها ، وإلاّ فشأن المجرّدات الصرفة ادراك الأشياء من عللها واسبابها من غير افتقار إلى آلة أصلا ، ولذا إذا اشتدّ تجرّدها يدرك الأشياء من غير افتقار إلى آلة أصلا.
ثمّ على أيّ مذهب من المذهبين لا ريب في اختصاص التعقّل بالمجرّد وحصول فعليته بوجود أحد العلاقات الموجبة له وكون حضور الذات عند الذات أقوى العلاقات وكون كلّ مجرّد حاضرا عند ذاته لذاته غير غائب عنها.
وبذلك يظهر كون كلّ مجرّد عاقلا لذاته ، وبه يتمّ ما كنّا بصدد بيانه من المقدّمة الثانية ـ أعني : كون كلّ مجرّد عاقلا لذاته ـ.