المعلومية ـ أي : هو حضور المعلوم من حيث هو معلوم عند العالم من حيث هو عالم ـ ، فلا ريب حينئذ في كون حقيقة العلم ذلك وحصول العلم قطعا وضرورة ، واندفاع المنع بديهة ، ولكن يلزم مفسدتان :
أحدهما : كون الحدود دوريا ، وهو ظاهر ؛ / ١٢٧ DA /
وأخراهما : المصادرة على المطلوب ، لانّ من لا يسلّم كون ذاته عالمة ومعلومة لا يسلّم كون حضور ذاته ـ تعالى ـ المعلوم عند العالم. فاثبات علمه ـ تعالى ـ بذاته لمجرّد ذلك مصادرة على المطلوب.
وإن اريد انّ العلم عبارة عن حضور شيء عند شيء أو عند موجود قائم بذاته وحينئذ فكون العلم عبارة عن ذلك أو عمّا هو لازم له ليس بديهيا ـ كما ذكره المجيب ـ ، فلا بدّ من الاستدلال عليه حتّى يندفع المنع.
وأيضا : للمانع أن يستفسر في تبيين منعه وتقريره من عدم الغيبة المشتمل عليه قوله : « لانّ ذاته غير غائب عن ذاته » ؛ فيقول : إن اريد بعدم الغيبة عدم البعد ، فمجرّده لا يلزم العلم ـ كما في صورة الحواسّ وغيرها من الأمور الّتي لا تتصف بالعالمية ـ ؛
وإن أريد به الشعور والانكشاف فممنوع ، لانّه غير بيّن ولا مبيّن من ذلك الدليل على التقدير المذكور ؛ بل هو مصادرة على المطلوب ، لانّ الشعور والانكشاف هو العلم بعينه.
ثمّ الحقّ انّ العلم ليس لازما لمجرّد حضور شيء عند شيء بمعنى عدم غيبته عنه ، بل هو لازم لحضور شيء عند شيء خاصّ ـ أعني : حضور شيء عند المجرّد القائم بذاته ـ ؛ فالتقرير المذكور للدليل المذكور لا يخلو عن خدشة.
فالأصوب في تقريره ـ على ما في المواقف وشرحه ـ هو أن يقال : انّه ـ تعالى ـ يعقل ذاته وإذا عقل ذاته عقل ما عداه ؛
أمّا الأوّل : فلأنّ التعقّل حضور الماهية المجرّدة عن العلائق المادّية للشيء المجرّد القائم بذاته ، وهو حاصل في شأنه لانّ ذاته مجرّدة غير غائبة عن ذاته ، فيكون عالما بذاته ؛
وامّا الثاني : فلأنّه مبدأ لما سواه ، والعلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول.
ثمّ الحقّ ـ كما أشير إليه ـ انّ التعقّل ليس عين حضور الماهية المجرّدة عند المجرّد القائم