الكائنة والفاسدة ـ أعني : من العقل الأوّل إلى آخر العناصر ـ لا يمكن أن يوجد بدل أحدها ما هو اشرف واكمل منه ، ولا أن يوجد شيء سواها في الحقيقة يكون أشرف من بعضها ؛ بل كلّ واحد ممّا في هذه السلسلة أشرف وأكمل ما يتصوّر ويمكن ، ولا يمكن وجود غيرها يكون من تلك السلسلة ـ أي : تكون ثابتة مستمرّة دائمة بدوام عللها ـ ؛ ولا يدل على انّ حكم الحوادث اليومية أيضا كذلك.
وبذلك يندفع ما أورد على هذه القاعدة : بأنّها لو تمّت لدلّت على أن لا يكون شيء من الاشخاص ممنوعا عمّا هو أشرف بالنسبة إليه ويمكن تحقّقه فيه ، مع أنّا نرى أكثر الأشخاص ممنوعا من الكمالات الممكنة لهم الّتي حصولها فيهم اولى ؛
ووجه الاندفاع : انّ هذه الأشخاص انّما هي من الحوادث اليومية ، وتلك القاعدة لا تجرى فيها ؛
ثمّ الوجه في فقدان بعض الكمالات الممكنة لبعض الأشخاص من الحوادث عنها مع انّه لو كانت حاصلة لها كانت أحسن بحالها وصار النظام الجملى حينئذ أصلح من الواقع في نظرنا قد تقدّم مفصّلا. ونقول هنا : الحكم بأصلحية النظام مع وجود بعض الكمالات المتصوّرة لبعض الاشخاص من النظام الواقع الّذي لم توجد فيه تلك الكمالات المتصوّرة لهذا البعض ممنوع ، بل باطل ؛ والأمر بالعكس ، لانّ اصلحية النظام لا يستلزم وجود كلّ ما هو أصلح بالنسبة الى كلّ شخص من الحوادث إذا كان ممكنا له ؛ وان استلزم ذلك بالنسبة إلى الموجودات الّتي فيما فوق الكون.
بل نقول : فقدان بعض الكمالات عن بعض الحوادث هو الأصلح بحال النظام لأدائه الى الكمالات والخيرات الكثيرة. ولمّا كانت العناية الالهية متعلّقة بتدبير الكلّ من حيث هو كلّ أوّلا وبالذات وبتدبير الجزء ثانيا وبالعرض وكان الأحسن بحال الكلّ أن لا يحصل لبعض الأشخاص ما هو أحسن وأكمل بالنسبة إليه وبالنظر إلى خصوصيته ، اختار ما هو الأحسن بالكلّ وترك ما هو المخلّ به وان كان أحسن بالنظر إلى الجزء. ونظير ذلك انّ المعمار إذا طرح نقش عمارة فربما كان الأحسن بالنسبة إلى تلك العمارة أن يكون بعض اطرافه مجلسا وبعض اخر مبرزا بحيث لو غيّر هذا الوضع لاختلّ حسن