بديهي. ولا ريب في أنّ هذا الدليل هو بعينه الدليل السابق ، فجعلها دليلين مسامحة. وقد جعلا في كتب الحكمة دليلا واحدا وقد ذكرا فيها على أنهما دليل واحد ؛ والناقلون ليسوا محقّا في عدّهما دليلين.
ويمكن أن يقال : مطلوبهم من الدليل السابق انّما هو مجرّد اثبات كونه ـ تعالى ـ عالما بذاته لا بما عداه أيضا من الموجودات ، وليس انضمام قولنا العلم : « بالعلّة يوجب العلم بالمعلول » فيه منظورا للقوم ؛ ومن الأخير اثبات عموم علمه ـ تعالى أي : شمول علمه تعالى بجميع الموجودات كلّية كانت أو جزئية ـ مع منظورية انضمامه إلى ما يدلّ على علمه بذاته. ويدل على ذلك قول المحقق الطوسي في التجريد : « والاحكام والتجرّد واستناد كلّ شيء إليه دلائل العلم ، والأخير عامّ » فان قوله : « والأخير عامّ » يدلّ على انّ الاحكام يدلّ على علمه ـ تعالى ـ بغيره من مصنوعاته والتجرّد يدلّ على علمه بذاته وغيره من الموجودات ، واستناد كلّ شيء إليه يدلّ على علمه بالجميع. ولا ريب في انّ مجرّد الاستناد لا يدلّ على عموم علمه ، فمطلوبه انّه بعد ضمّ ذلك إلى دلائل أخرى دالّة على علمه ـ تعالى ـ بذاته يثبت شمول علمه بالجميع. فهذه الضميمة في هذا الدليل منظورة. وضميمة قولنا : العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول غير منظورة في الدليل السابق ، فلذا يصيران دليلين. ولمّا نشأ اضافة هذا الضميمة من بعض المتأخّرين على الدليل السابق أيضا لزم عليهم الايراد بكونها حينئذ دليلا واحدا.
وأنت تعلم أنّ هذا التوجيه لكلامهم / ١٣١ MB / لا وقع له ، لانّه أيّ وجه لكون الضميمة منظورا لهم في واحد من الأدلّة الثلاثة دون الآخرين؟! ، والحكم بكونه حينئذ عامّا دونهما مع تساوي النسبة الثلاثة إلى الضميمة. فانّه إذا كان الثالث لا يدلّ على العموم ما لم ينضمّ إليه شيء آخر ـ أعني : كونه عالما بذاته ـ وبانضمام هذا الشيء الآخر إليه صار عامّا وكان الدليلان الاوّلان أيضا كذلك فالانضمام إلى الثالث دون الأوّلين تحكّم لغو. نعم! ، يمكن أن يقال : انّ الدليل الأوّل بعد الضمّ أيضا ليس بعامّ ، إذ لا يلزم منه الاّ كونه ـ تعالى ـ عالما بأفعاله المستقلّة بذاته أيضا ـ بناء على الصحيحة ـ ، وامّا بسائر الأشياء مثل أفعال مخلوقاته فلا.