علمه بما سواه بأن يقال : انّه ـ تعالى ـ فاعل الأفعال المحكمة المتقنة وكلّ فاعل كذلك فهو لا ينفكّ عن العلم بافعاله ، فاذن علم ذاته ـ إذ من يعلم أفعاله يمكن أن يعلم انّه يعلم أفعاله ـ ، ومن ذلك العلم يلزم امكان تحقّق العلم بذاته ومن امكان تحقّق العلم بذاته يلزم تحقّق العلم بذاته ، إذ علم الشيء بذاته لا يمكنه إلاّ بحضور ذاته ؛ ومن أمكنه أن يحضر ذاته عند ذاته فقد حضر ذاته ولو لم يحضر لا يمكن أن يحضر ـ كما لا يخفى ـ.
وهكذا يقال أيضا في دليل الاستناد ، فانّه إذا استند كلّ شيء إليه ومن جملته الأشياء المحكمة المتقنة فهو عالم بها. وبسياق الدليل امّا في دليل التجرّد فيقال : انّه ـ تعالى ـ لكونه مجرّدا عالما بذاته وذاته علّة لما سواه ، ويلزم من العلم بالعلّة العلم بالمعلول » ؛ انتهى.
وأنت تعلم انّه على ما ذكره هذا الفاضل في صورة تركيب الدليلين لا يكون فرق بينهما في العموم والخصوص ، فيكون قول المحقّق : « والأخير عامّ » تحكّما لغوا. وما ذكره في صورة جعل كلّ واحد من الثلاثة دليلا على حدة لاثبات علمه بذاته وبما سواه لا يكون فرق بين الثلاثة في العموم والخصوص ، فيكون التحكّم في قوله : « والأخير عامّ » أشدّ.
ثمّ تصدّى الفاضل المذكور لتقرير الدليل الثالث على وجه لا يحتاج إلى ضميمة ، فقال : « لمّا ثبت انّ جميع الموجودات مستندة إليه ـ تعالى ـ وهو ليس مستندا إلى شيء من الاشياء فهو ـ تعالى ـ لكونه غير متعلّق بشيء من الأشياء غير موجود لشيء من الاشياء ، بل هو موجود لذاته قائم بذاته وجميع الأشياء لكونها معلولة له موجودة له حاضرة عنده منكشفة لديه غير غائبة عنه ـ تعالى ـ لوجوب كون العلّة موجودة مع المعلول ، فانّ حصول المعلول للعلّة أشدّ من / ١٣٢ MA / حصول الصورة لنا ـ كما صرّح به المحقّق في شرح الاشارات ـ ، فهو ـ تعالى ـ عالم بها لا محالة. إذ العلم هو كون المعلوم موجودا لأمر قائم بذاته وحاضرا عند موجود لذاته غير غائب عنه ـ كما عرفت ـ. فثبت علمه ـ تعالى ـ بجميع ما سواه ؛ وهو المطلوب فعلى هذا لا حاجة في اتمام هذا الدليل إلى ضمّه إلى دلائل أخرى دالّة على علمه بذاته ، بل هو مستقلّ في اثبات المطلوب » ؛ انتهى.