لا ينفكّ عن العلم بالمعلول. إلاّ أنّ العلم بالمعلول بهذا النحو أيضا مستلزم للعلم بالعلّة ، لانّه إذا علم انّ المعلول حقيقتها كذا وملزومه كذا والعلّة من ملزوماته فيحصل العلم بالعلّة ، فالتفرقة تحكّم.
ولا يمكن أن يقال : انّ العلم التامّ بالعلّة يستلزم العلم بماهية المعلول المعين ، وأمّا العلم التامّ بالمعلول فلا يستلزم العلم بالعلّة المعينة ، لانّ العلم التامّ بالمعلول ـ على ما فسر ـ أن يعلم المعلول بمهيته وملزوماته المعينة ، لا ملزوماته الغير المعينة ؛ إذ لو أريد ملزوماته الغير المعينة لكان اللازم أن يراد العلم التامّ بالعلّة أيضا على طبق ذلك بأن يراد العلم بماهية العلّة ولوازمه الغير المعينة ؛ فلا فرق أيضا.
فان قيل : معروضات العلّة ليست ملزومة للمعلول ؛
قلنا : لو صحّ ذلك لم يكن عوارض المعلول أيضا من لوازم العلّة.
وبالجملة لا فرق في العلم التامّ بالعلّة والعلم التامّ بالمعلول في استلزام كلّ منهما للآخر. الاّ أنّ حصول العلم التامّ لغير الواجب بالعلّة ـ أعني : ذاته ـ وبمعلولاته في غاية الاشكال. مع انّ هذه القاعدة القائلة بأنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول مستعملة عندهم في موارد متعدّدة كاثبات علمه ـ تعالى ـ بسائر الموجودات لكونه عالما بذاته ، واثبات علم غيره من المجرّدات لمعلولاته ـ ... إلى غير ذلك من المواضع ـ. فان لم يمنع / ١٢٩ DA / كون الواجب ـ تعالى ـ عالما بذاته من جميع الوجوه المذكورة فقد يمنع ذلك في غيره بصعوبة ذلك ، فلا يتمّ مقصودهم فيه.
وتحقيق الكلام في هذا المقام انّه لا ريب في انّه إذا علم العلّة بكنهها ـ أي : بمهيتها ولوازمها ـ أو بالحيثية الّتي نشأ منها المعلول ويلزمها يعلم المعلول حينئذ بخصوصه البتة ، لأنّ علّة كلّ شيء يجب أن يكون علّة هذا الشيء بعينه ولا يمكن أن يقوم شيء آخر مقام هذا المعلول ، فانّه إذا علم الشيء بكنهه أو بالحيثية الّتي ينشأ منها شيء آخر علم ما يلزمه ويناسبه وينشأ منها ، فانّ العلم بكنه الشيء لا ينفكّ عن العلم بمناسباته اللازمة له ؛ فلو لم يعلم انّ الاشياء المناسبة اللازمة الغير المنفكّة عن هذه العلّة ما ذا لم يعلم حقيقة العلّة.