نفس هذه السورة بالذات : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ) (١).
والايمان بالله والشرك به وحقيقتهما تعلّق القلب بالله بالخضوع للحقيقة الواجبة وتعلّق القلب بغيره تعالىٰ ، مما لا يملك شيئاً إلاّ باذنه تعالىٰ يختلفان بحسب النسبة والاضافة ، فانّ من الجائز ان يتعلّق الإنسان مثلا بالحياة الدنيا الفانية وزينتها الباطلة ، وينسىٰ مع ذلك كلّ حق وحقيقة ، ومن الجائز ان ينقطع عن كلِّ ما يصدّ النفس ويشغلها عن الله سبحانه ، ويتوجّه بكلّه اليه ، ويذكره ولا يغفل عنه ، فلا يركن في ذاته وصفاته إلاّ اليه ، ولا يريد إلاّ ما يريده ، كالمخلصين من أوليائه تعالىٰ.
وبين المنزلتين مراتب مختلفة بالقرب من أحد الجانبين والبعد منه ، وهي التي يجتمع فيها الطرفان بنحو من الاجتماع (٢).
فإذا كان كذلك علمنا انّه خالص من ذلك كلّه ، وانّه محض اطاعة له سبحانه ، ولا يمكن له ان يتبع هواه بأي حال من الاحوال.
ومن هذه الآية المباركة بالذات نستطيع ان نستكشف معنىٰ الهمّ الذي همّ به يوسف عليهالسلام مقابل هم امرأة العزيز.
فإنّ عدم إشراكه بالله طرفة عين يقتضي عدم تعلقه بشيء سوىٰ الله تعالىٰ ومرضاته ، وهذا هو الذي قد كان من فضل الله عليه بالخصوص وعلىٰ الناس بالعموم ولكنّ أكثر الناس لا يشكرون.
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٠٦.
(٢) الميزان / الطباطبائي ١١ : ٢٧٦.