ولعلّه من هنا وممّا علىٰ شاكلته ، استفيدت مقدّمات ما جعلوه بياناً وأسّسوا عليه قاعدة متينة تسمىٰ بقاعدة « اللطف » وخلاصة ذلك :
أنّه تعالىٰ لا يشاهده خلقه ، ولا يلامسهم ، ولا يلامسوه ، ولا يحاجّهم ، ولا يحاجّوه ، إذن لابدّ من وجود سفراء له في خلقه وعباده.
وهؤلاء هم الذين يدلّونهم علىٰ مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، فثبت حينئذٍ الآمرون والناهون ، عن الحكيم العليم في خلقه.
ولذا قد ورد : « إنّ الخلق لمّا وقفوا علىٰ حدٍّ محدود ، وامروا ان لا يتعدّوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم ، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلاّ بأن يجعل عليهم أميناً يأخذهم بالوقف عندما أُبيح لهم ، ويمنعهم من التّعدّي والدخول فيما حظر عليهم ، لأنّه لو لم يكن ذلك لكان أحدٌ لا يترك لذَّته ومنفعته لفساد غيره ، فجعل عليهم قيّما يمنعهم من الفساد ، ويقيم فيهم الحدود والأحكام.
و ـ إنّا لا نجد فرقةً من الفرق ولا ملّةً من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس لما لابدّ لهم منه في أمر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق ممّا يعلم انّه لابدّ لهم منه ، ولا قوام لهم إلاّ به (١).
__________________
(١) بحار الأنوار / المجلسي ٣ : ١٩ عن الإمام علي بن موسىٰ الرضا عليهالسلام.