وقال السيد الطباطبائي في « ميزانه » : ( تدل علىٰ انّ النوع الانساني يتضمن طائفة قليلة أو كثيرة مهتدية حقيقة ، إذ الكلام في الاهتداء والضلال الحقيقيين المستندين إلىٰ صنع الله ومن يهد الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فاولئك هم الخاسرون ، والاهتداء الحقيقي لا يكون الا عن هداية حقيقية ، وهي التي لله سبحانه ، وقد تقدم في قوله تعالىٰ : ( فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) (١) ، وغيره ، ان الهداية الحقيقية الالهية لا تتخلف عن مقتضاها بوجه ، وتوجب العصمة من الضلال ، كما ان الترديد الواقع في قوله تعالىٰ : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ) (٢). يدل علىٰ انّ من يهدي إلىٰ الحقّ يجب ان لا يكون مهتديا بغيره إلاّ بالله.
وعلى هذا فإسناد الهداية إلىٰ هذه الاُمّة لا يخلو عن الدلالة علىٰ مصونيتهم من الضلال ، واعتصامهم بالله من الزيغ إمّا بكون جميع هؤلاء المشار إليهم بقوله : ( أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ ) متصفين بهذه العصمة والصيانة كالانبياء والاوصياء ، وإما تكون بعض هذه الاُمّة كذلك ، وتوصيف الكل بوصف البعض نظير قوله تعالىٰ : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) (٣) ، وقوله تعالىٰ : ( وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا ) (٤) ، وقوله : ( لِّتَكُونُوا
__________________
(١) سورة الانعام : ٤ / ٨٩.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٣٥.
(٣) سورة الجاثية : ٤٥ / ١٦.
(٤) سورة المائدة : ٥ / ٢٠.