بين هذا اللفظ وبين ذلك الشيء ، وهذا الاقتران إنما هو من مقتضيات طبع الإنسان وتكوينه ، وتارة أخرى يكون التعليم عن طريق تلقين الطفل وتفهيمه بأنّ هذا الشيء يسمّى كذا وذاك يسمّى كذا ، وبهذا التلقين ينحدث ربط واقتران في ذهنه بين اللفظ وذاك المعنى ، وهذا الربط والاقتران أيضا من مقتضيات تكوين الإنسان وطبعه الذي طبعه الله عزّ وجلّ عليه.
إذن يمكن إجمال هذه النظرية بأن يقال : إنّ السرّ في واقعيّة العلاقة بين اللفظ والمعنى هو ما طبع عليه ذهن الإنسان من القدرة على تشكيل علائق وروابط بين الأشياء ، وتكون طبيعة هذه العلائق بعد ذلك أنّه كلما خطر في ذهنه أحد الشيئين المقترنين ينقدح الآخر حتى ولو لم يكن مريدا لذلك.
ومع اتضاح معنى هذه النظرية يتّضح أنها تتّفق مع نظرية الاعتبار في أنّ الوضع سبب للدلالة التصورية فحسب ؛ وذلك لأنّ الاقتران لا يوجب أكثر من تصوّر المعنى عند صدور اللفظ ، أمّا أنّ الآتي باللفظ قاصد لتفهيم المعنى فهذا خارج عمّا تقتضيه نظرية القرن وعليه تكون الدلالة التصديقيّة مستفادة ـ بناء على هذه النظرية ـ من حال المتكلّم.
ذكروا أنّ الوضع بلحاظ ما يسبّبه ويحقّقه ينقسم إلى قسمين :
الأوّل : الوضع التعييني : وهو ما يتصدّى فيه الواضع لجعل لفظ دالا على معنى بحيث يبذل عناية خاصة ومقصودة لهذه العملية كأن يقول : وضعت لفظ الأسد للحيوان المفترس.