منشأ هذه التقسيمات هو ملاحظة الوضع في كل تقسيم بلحاظ يختلف عنه في التقسيم الآخر ، فحينما نلحظ الوضع من جهة ما يسببه ويحققه ، فالوضع ينقسم إلى وضع تعييني ووضع تعيّني ، وحينما نلاحظه من جهة اللفظ الذي يراد جعله دالا على المعنى ، فالوضع ينقسم إلى وضع شخصي ووضع نوعي ، وهكذا تختلف تقسيمات الوضع باختلاف الحيثية الملحوظة فيه عند التقسيم.
وهنا نتعرّض لبيان أحد تقسيمات الوضع ، والذي هو تقسيم بلحاظ المعنى الذي يراد جعل اللفظ دالا عليه ، فهو إذن تقسيم الوضع بلحاظ موضوعه وهو المعنى ، فنقول : إن المعنى الذي يمكن تصوّره حين الوضع على نحوين :
النحو الأول : أن نتصوّر المعنى ـ الذي نريد جعل اللفظ دالا عليه ـ بنفسه بحيث نستحضره في ذهننا كاملا ومن تمام حيثيّاته وبما له من سعة أو ضيق وذلك مثل أن نستحضر ونتصوّر معنى زيد بما له من مشخّصات ، ثم نضع اللفظ بإزاء هذا المعنى المتشخّص والمحدّد ، وكذلك مثل أن نتصوّر معنى الإنسان بما له من حيثيّات تميّزه عن سائر المعاني وبما له من سعة بحيث يشمل أفراده ، ثم نضع اللفظ بإزاء هذا المعنى المحدّد.
النحو الثاني : أن نستحضر ونتصوّر المعنى ولكن ليس بنفسه وإنما بعنوانه المنطبق عليه ، فيكون هذا العنوان العام مشيرا ومنوّها بالمعنى الذي يراد جعل اللفظ دالا عليه ، وذلك مثل أن نتصوّر معنى زيد ولكن ليس بنفسه وبمشخّصاته الخاصة به وإنما بعنوان هذا العنوان صالح لأن ينطبق عليه ، وهو مثلا عنوان الإنسان أو عنوان الرجل ، فهنا نكون قد تصوّرنا