تعلّق إرادة المولى بذلك المعتبر ، إذ أنّه لا يمكن أن يعتبر شيئا على عهدة المكلّف جزافا وعبثا ودون إرادة ، وبعد أن يبرز المولى إرادته مباشرة أو عبر الاعتبار يكون من حقه على العبد إطاعته والجريان على وفق إرادته قضاء لحق المولوية ، وهذا من مدركات العقل العملي حيث إنّه يدرك استقلالا لزوم طاعة المولى وولي النعمة.
إذا اتضح كلّ ما ذكرناه يتّضح المراد من عنوان البحث وهو « مبادئ الحكم » وأنّه عبارة عن الملاك والإرادة ، وأمّا الاعتبار فهو نفس الحكم المأخوذ في العنوان وذلك إذا افترضنا أن الاعتبار ليس شيئا آخر غير الحكم الناشئ عن الملاك والإرادة فالملاك والإرادة هما مبدأ الحكم ومنشأ جعله والذي يكون واسطة وسببا لإيجاب العقل امتثال مرادات المولى ، وهذا يعني أن الحكم روحا هو عين الملاك والإرادة حيث إنّهما الموضوع والواسطة لثبوت إيجاب العقل للامتثال ، فحكم العقل لوجوب الامتثال موضوعه الإرادة المولويّة. وليس للاعتبار الإنشائي أيّ دخالة في إثبات الحكم العقلي ـ بوجوب الامتثال ـ لموضوعه وهي المرادات المولوية ولذلك لو لم يكن هناك اعتبار إنشائي وعرفنا من طريق آخر تعلّق إرادة المولى بإيجاد فعل ، لحكم العقل بوجوب الطاعة والامتثال.
وهذا البحث ليس بحثا عن الأحكام الخمسة وإنما هو بحث عن مناشئ هذه الأحكام ، ومن الطبيعي أن يكون هناك تناسب بين حقيقة هذه الأحكام وبين مبادئها ومناشئ جعلها.