الأسد يقتضي انتفاء وانعدام جميع أفراده ، فكذلك انتفاء طبيعي الحكم يقتضي انتفاء جميع أفراده.
وقد ذكرنا فيما سبق أنّ الأحكام حقائق متباينة ، كلّ حكم يمثّل نوعا له حدوده المانعة عن تداخله مع غيره ، فالوجوب حقيقة وطبيعة متباينة تمام التباين مع حقيقة الحرمة وهكذا سائر الأحكام ، وإذا كان كذلك فالحكم حقيقة كلّية يكون لها أفراد متسانخة ومتماثلة من حيث اشتراكها في حقيقة واحدة وإن كان كلّ فرد منها له مشخّصاته الخاصة به ، فوجوب الإكرام بملاك الفقر غير وجوب الإكرام بملاك العلم ، ووجوبه بملاك العلم غير وجوبه بملاك القرابة ، إلاّ أنّ هذه الوجوبات الشخصيّة تشترك في حقيقة واحدة هذه الحقيقة هي المعبّر عنها بطبيعي الوجوب ، فلذلك يكون الفرق بين شخصي الوجوب وبين طبيعيه هو أنّ انتفاء شخص الوجوب لا يقتضي انتفاء فرد آخر للوجوب ، فحينما ينتفي وجوب الإكرام بملاك القرابة لا يكون ذلك مقتضيا لانتفاء وجوب الإكرام بملاك الفقر ، وهذا بخلاف انتفاء طبيعي الوجوب فإنّ ذلك يقتضي انعدام الوجوب بتمام أفراده وأشخاصه ؛ لأن الطبيعي لا ينتفي إلا عند انتفاء تمام أفراده ، فإذا قام الدليل على انتفاء الطبيعي فهذا يكشف عن انتفاء تمام أفراده.
الأمر الثالث : المراد من المفهوم في المتفاهم العرفي هو مطلق المدلول المنطبع في الذهن بقطع النظر عن منشئه إذ قد يكون المنشأ هو الأوضاع اللغوية وقد يكون المنشأ هو الإشارة وقد يكون المنشأ هو الملازمات العقلية أو العادية أو الطبعية للفظ ، وقد تكون المشاهد الخارجية التي تقع تحت الحواس وقد يكون منشأ ذلك هو التصوّرات النفسانية وقد يكون