سيرة المتشرّعة
والفرق بين السيرة المتشرعيّة والسيرة العقلائيّة هو أن التباني على موقف في موارد السيرة المتشرعيّة يصدر عن المتشرّعة باعتبار كونهم متشرّعة وملتزمين بما يمليه عليهم الشارع المقدّس ، وهذا بخلاف السيرة العقلائيّة فهي تصدر عن العقلاء باعتبار كونهم عقلاء وملتزمين بمقتضى المرتكزات المبرّرة عقلائيا.
والذي يكشف عادة عن أنّ السيرة عقلائيّة أو متشرعيّة هو نوع الموقف الملتزم به ، فقد يكون الموقف ممّا يقتضيه الطبع العقلائي فالتباني عليه يكون سيرة عقلائية ، وهذا كالالتزام بمقتضى العقود ، وقد لا يكون الموقف الملتزم مناسبا لمقتضى الطبع العقلائي بل إنّ الالتزام به ـ لو لم يكن ناشئا عن الشارع ـ يعدّ سفهيّا كمسح الجبين وظاهر الكفين بما يعلق من تراب في التيمّم فإنّه لا يتعقل لهذا الالتزام مبرّر لو لم يكن ناشئا عن التعبّد الشرعي. وهذا النحو من الالتزام يكشف عن أنّ السيرة متشرعيّة.
ومن هنا يكون الفارق الدلالي بين السيرتين هو أنّ السيرة العقلائيّة تكون دلالتها على الحكم الشرعي منوطة بالإمضاء المنكشف عن السكوت. وأمّا السيرة المتشرعيّة فهي بنفسها كاشفة عن وجود دليل شرعي ، وهذا ما يجعلها مسانخة ـ بنحو ما ـ للإجماع ؛ إذ أنّ كلا منهما يعبّر عن وجود الدليل الشرعي بحساب الاحتمالات ، غاية ما في الأمر أنّ