الأفعال مشتملة على مصلحة ومع ذلك لا يحكم العقل بحسنها بل قد يحكم بقبحها.
ودعوى أنّ الحسن ناشئ عن ملائمة الفعل للطبع منقوض ببعض الأفعال التي لا تكون منسجمة مع الطبع ومع ذلك تكون متّصفة بالحسن وببعض الأفعال التي تكون منسجمة مع الطبع ومع ذلك تكون مستقبحة.
كلّ ذلك يعبّر عن أنّ اتّصاف الأفعال بالحسن أو القبح ذاتي ، والذاتي لا يعلّل ، كما أنّ الذاتي لا ينقلب عمّا هو عليه ، فالفعل الحسن لا ينقلب إلى القبح وكذلك العكس.
والمتحصّل ممّا ذكرناه أنّ الحسن والقبح من الصفات الواقعيّة وأنّ اتّصاف الأفعال بهما ذاتي وأنّهما من المدركات العقليّة الأوليّة فهما لا يختلفان عمّا يدركه العقل من استحالة اجتماع النقيضين فكلا الحكمين من مدركات العقل الأوليّة ، غايته أنّ الحسن والقبح من مدركات العقل العملي أي أنّهما بذاتيهما يستتبعان أثرا عمليّا أي يستوجبان التحرّك والانبعاث نحو متعلّقيهما ، فالفعل الحسن يدرك العقل أنّه ينبغي فعله والفعل القبيح يدرك العقل أنّه لا ينبغي فعله.
وهذا الأثر لصفتي الحسن والقبح لازم ذاتي لهما ، أي أنّه ناشئ عن مقام الذات لصفتي الحسن والقبح ، ووظيفة العقل ليست أكثر من إدراك هذا اللازم إلاّ أنّه قد يطلق على هذا المدرك العقلي عنوان الحكم العقلي تجوّزا.
ومع ثبوت إدراك العقل أنّ الحسن ينبغي فعله وأنّ القبيح لا ينبغي فعله يصل بنا البحث عن ثبوت الملازمة بين ما يحكم به العقل وبين