لو أذن المولى في ترك التكاليف المظنونة والمحتملة فإنّ المكلّف حينئذ يكون في سعة من جهتها ، إلاّ أنّ هذا لا يعني عدم استحقاقه بل يعني التنازل عن حقّه جلّ وعلا.
وقد ذكرنا فيما سبق أنّ منجزيّة التكاليف المظنونة والمحتملة معلّقة على عدم الترخيص ، وهذا بخلاف التكاليف المعلومة فإنّ الترخيص في تركها يعني المنع عن حجيّة القطع وقد قلنا باستحالته.
وكيف كان فقد استدلّ المحقّق النائيني رحمهالله ـ كما يستفاد من كلماته ـ على صحّة الاتّجاه الأوّل « البراءة العقليّة » بدليلين :
الدليل الأوّل : إنّ التكليف الإلزامي ما دام مجهولا فلا مقتضي للانبعاث نحو امتثاله ؛ إذ الباعث نحو امتثال التكليف إنّما هو العلم بوجوده ، أمّا وجوده في نفس الأمر والواقع فلا يستوجب البعث والتحريك عينا كسائر الأخطار فإنّها إنّما توجب الفرار والتجنّب عنها إذا كانت معلومة ، أمّا إذا كان الخطر موجودا إلاّ أنّه غير معلوم فإنّه لا يكون حينئذ دافع للإنسان نحو الفرار منه ، بل قد يقع في الخطر عن محض اختيار بتوهّم صلاحه وفائدته ، وهذا ما يكشف عن أنّ الوجود الواقعي للخطر ليس موجبا للتحرّك نحو الفرار عنه وإنّما الموجب لذلك هو العلم به ؛ فلذلك ترى الطفل يداعب الثعبان لعدم إدراكه بخطورته وقد يفرّ من الإنسان الوديع ذي الوجه القبيح لتوهّمه بخطورته ، وقد تجد الإنسان واقفا لا يحرّك ساكنا والذئب من ورائه وما ذلك إلاّ لعدم علمه بوجوده ، كلّ ذلك يعبّر عن أنّ الباعث والمحرّك إنّما هو العلم وليس الوجود الواقعي ، وإذا كان كذلك فالتكليف لمّا كان مجهولا فلا شيء يقتضي التحرّك والانبعاث نحو امتثاله ، وإدانة المكلّف بعد ذلك على عدم الانبعاث نحو امتثال التكليف يكون قبيحا