ذلك التكليف غير مبيّن فيكون تركه حينئذ غير مستتبع للعقاب ، وهذا هو معنى البراءة الشرعيّة ، إذ أنّها تؤمّن من العقاب على مخالفة التكليف الواقعي في ظرف الجهل وعدم البيان.
والجواب على الاستدلال بالآية الكريمة :
إنّ صلاحيّة الآية الكريمة للدلالة على البراءة الشرعيّة ينشأ عن كون الرسول مثالا للبيان ، فيكون معنى الآية كما ذكرنا أنّ الله لا يعذّب على مخالفة تكليف غير مبيّن ، أما لو لم نسلّم بأن عنوان الرسول مثال للبيان وإنّما هو مثال لصدور البيان فهنا لا تكون الآية دالّة على البراءة الشرعيّة ؛ وذلك لأنّ معنى الآية بناء على هذا الاحتمال هو أنّ الله لا يعذّب أحدا إلاّ بعد صدور البيان عنه جلّ وعلا ، ومن الواضح أنّ صدور البيان لا يلازم وصوله ، وهذا يعني سكوت الآية عن نفي العقاب في حال عدم وصوله ؛ لأنّها لمّا كانت متصدّية لخصوص نفي العقاب في حال عدم صدور البيان وقلنا بعدم الملازمة بين الصدور والوصول ، فقد يصدر البيان ولا يصل ، في هذه الحالة لا تكون الآية مؤمّنة عن العقاب ، إذ أنّها أمّنت من العقاب في حال عدم الصدور ، وهنا الصدور متحقّق ـ كما هو المفترض ـ وإن كان وصول البيان غير متحقّق.
والاحتمال الثاني هو المستظهر من الآية الكريمة ؛ وذلك لأنّ المناسب لعنوان الرسول هو صدور البيان لا وصوله ، إذ أنّ بعث الرسول لا يساوق وصول الأحكام الإلهيّة لكلّ أحد إلاّ أنّه يساوق صدور الأحكام عن الله جلّ وعلا بواسطة الرسول.
وإذا كان المستظهر من الآية هو المعنى الثاني فلا تكون صالحة لأن