ومن الواضح أنّه بناء على هذا الاحتمال لا يكون للورود دلالة على وصول النهي للمكلّف ؛ إذ يكون معنى الرواية هو أنّ كلّ شيء فهو مطلق ما لم يجعل الشارع عليه النهي ، أي ما لم يصدر عن الشارع فيه نهي ، وهذا لا صلة له بوصول النهي للمكلّف ، ولمّا كان المستظهر من الرواية هو هذا المعنى فلا يكون للرواية حينئذ دلالة على المطلوب ؛ إذ المطلوب إثباته من الرواية الشريفة هو ثبوت السعة وإطلاق العنان حينما لا يصل النهي للمكلّف ، وهذا غير ظاهر من الرواية.
ومنها : حديث الرفع المروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « رفع عن أمّتي تسعة الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة » (١).
وفقرة الاستدلال بالرواية الشريفة هي قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « رفع عن أمتي ... ما لا يعلمون ».
وتماميّة الاستدلال بهذه الرواية الشريفة على البراءة الشرعيّة
__________________
(١) الوسائل باب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ح ١ ، وقد رواها الشيخ الصدوق رحمهالله في الخصال والتوحيد ، وليس فيها إشكال سندي إلاّ من جهة شيخه أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، فإنّه لم يثبت له توثيق صريح ، نعم يمكن توثيقه ببعض الوجوه الاجتهاديّة والتي لا تتّصل بالحسّ ، كأن نستكشف وثاقته باعتباره من المعاريف أو أنّه من مشايخ الإجازة أو وقوعه في الطريق المعتبر إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي والذي صرّح أبو العباس السيرافي بأن ذلك الطريق معوّل عليه عند الأصحاب. فإن تمّت هذه الوجوه فالرواية معتبرة ، أمّا لو لم تثبت وثاقة أحمد بن محمّد بن يحيى فطريق الصدوق إلى الرواية ضعيف إلاّ إذا تمّت نظريّة التعويض كبرى وصغرى.