وبتعبير آخر : لو كانت أطراف العلم الإجمالي من السعة بحيث يكون من المستبعد جدا المخالفة القطعية فهنا لا يكون إجراء البراءة عن تمام الأطراف موجبا للترخيص في المخالفة القطعية للمعلوم بالإجمال.
ويمكن التمثيل لذلك بما لو علم المكلّف بعدم تذكية واحدة من الذبائح الكثيرة والمتوزعة على أسواق البلاد الكبيرة ، فهنا لو جرت البراءة عن حرمة مجموع الذبائح لم يكن ذلك مستوجبا للترخيص في المخالفة القطعيّة العمليّة لعدم إمكان تناول المكلّف من تمام تلك الذبائح عادة.
ثم إنّ هناك حالات وقع البحث عن أنّها من موارد البراءة الشرعيّة أو أنّها من موارد قاعدة منجزية العلم الإجمالي؟ وقد ذكر المصنّف رحمهالله من هذه الحالات ثلاث :
وبيان هذه الحالة هي أنّه لو علم المكلّف بجامع التكليف إلاّ أنّه تردد في متعلّقه وهل هو الأقل أو الأكثر؟ وهذه الحالة لها صورتان :
الصورة الأولى : ما لو كان التردد بين متعلّقين استقلاليين. ومثاله ما لو علم بتعلّق ذمته بدين لزيد إلاّ أنّه تردد في مقدار ذلك الدين ، وهل هو درهم أو عشرة؟ وهذه الحالة هي المعبّر عنها بدوران الأمر بين الأقل والأكثر الإستقلاليين ، إذ أنّ وجوب الدرهم ليس له ارتباط بوجوب العشرة لأنّ العشرة لو كانت واجبة فهي روحا منحلّة إلى وجوبات بعدد الدراهم العشرة كل وجوب لا ارتباط له بالآخر بل إنّ لكلّ وجوب طاعة ومعصية مستقلة عن الطاعة والمعصية في الوجوب الآخر ؛ ولذلك لو قضى جزءا من الدين المعلوم وجحد الجزء الآخر لكان مطيعا وعاصيا.