الذي يؤول إلى جعل حكمين متنافيين على موضوع واحد ، فإنّ ذلك لمّا كان مستحيلا اقتضى العلم بكذب أحد الدليلين وإلاّ لو لم تكن الأحكام متنافية ومتضادة فيما بينها لا يكون هناك موجب لتكذيب أحدهما غير المعين ؛ لأنّه من الممكن حينئذ جعل حكمين متضادين على موضوع واحد.
ومن هنا لا بدّ من تمييز الحالات التي يكون فيها الدليلان مقتضيين لحكمين متنافيين عن الحالات التي لا يقتضي فيها الدليلان ذلك.
وهذا ما يستوجب تمييز حالات التنافي في مرحلة الجعل عن حالات التنافي في مرحلة المجعول وعن حالات التنافي في مرحلة الامتثال.
أمّا حالات التنافي في مرحلة الجعل :
الحكم بمرتبة الجعل هو ما يعبّر عنه بالحكم الإنشائي وهو الحكم الذي يجعل على موضوعه المقدّر الوجود أو قل هو الحكم المجعول على موضوعه بنحو القضية الحقيقية ، والأحكام بمرتبة الجعل تنشأ ـ كما ذكرنا مرارا ـ عن ملاكات في متعلّقاتها تستوجب جعل حكم عليها متناسب مع نحو الملاك ومرتبته.
ومن هنا نشأ التنافي بين الأحكام حيث إن ملاكتها لها تقرّر في نفس الأمر والواقع مما يقتضي عدم تناسبها ، فلا يمكن أن يكون المتعلّق الواحد واجدا للمصلحة التامّة والمفسدة التامّة ، ومن هنا يكون الحكم المجعول على المتعلّق هو الحكم المتعيّن واقعا والذي يستحيل أن يثبت غيره لذلك المتعلّق ، وهذا هو معنى أنّ أحكام الله تعالى ليست جزافية.
وإذا كان كذلك في مقام الثبوت والواقع فمقام الإثبات والدلالة لا بدّ أن يكون متناسبا مع مقام الثبوت ، فحينما تكون الأدلة مقتضية لثبوت حكمين