كما لو قال المتكلم في مجلس : « أكرم كل العلماء » وقال في مجلس آخر : « لا تكرم فساق العلماء » ، فإنّه لو لاحظنا كلا من الكلامين على حدة لوجدنا أنّ بينهما تنافيا إلا أنّه حين يلاحظ مجموع الكلامين فإنّ ذلك التنافي البدوي يزول وما ذلك إلاّ لأن الكلامين يعبّران عن مراد جديّ واحد ، غايته أنّ وجود بعض المبرّرات الشخصية أو النوعية اقتضت فصل الكلامين وإلاّ فهما يعبّران روحا عن مراد واحد ، إذ أنّ العاقل لا ينقض كلامه ، نعم قد يتنازل عن كلامه الأول وهذا خلف الفرض ، إذ أنّه حين يكون متنازلا عن كلامه الأول فإنّ مقتضى حرص العقلاء على أغراضهم وعدم السماح بتفويتها يقتضي التصريح بتنازله عن كلامه الأول حتى لا يتنافى ذلك مع غرضه الفعلي.
وكيف كان فإنّ المتكلم إذا لم يبيّن مراده كاملا فإنّه يتصدى في كلام ثان لبيان تمام ذلك المراد أو بعضه ، وهناك مجموعة من الوسائل يتوسّل بها المتكلّم لتبيين مراده من الكلام الأول :
منها : ما عبّر عنه المصنّف رحمهالله بالإعداد الشخصي ، والمقصود من الإعداد الشخصي هو أن يتصدى شخص المتكلم لبيان مراده بوسيلة من وسائل الشرح والتفسير المقررة عند أهل المحاورة ، وضابطة الوسائل الداخلة تحت عنوان الإعداد الشخصي هي كل وسيلة ليس لغير المتكلم استعمالها بمعنى أنّه لو لم يتصدّ المتكلم بنفسه لاستعمالها لما أمكن لأحد غيره أن يستعملها لغرض الكشف عن مراد المتكلم ، وهذا بخلاف الإعداد النوعي فإنه يمكن للغير أن يجمع بين كلامي المتكلم ويناسب بينهما ثم يخرج بنتيجة هي مراد المتكلم جدا.