حالات التعارض البدوي بين البراءة والاستصحاب ، ومثاله ما لو كان المكلّف يعلم بحرمة العصير العنبي ثمّ إنّه لمّا ذهب ثلثاه بواسطة الشمس شك في بقاء الحرمة فإنّ مقتضى أصالة الاستصحاب هو الحرمة ومقتضى أصالة البراءة هو عدم الحرمة.
وهنا ذهب مشهور الفقهاء « رضوان الله عليهم » إلى أنّ المقدم في مثل هذه الحالات هو أصالة الاستصحاب واستدلوا على ذلك بدليلين :
الدليل الأوّل : هو حكومة أصالة الاستصحاب على أصالة البراءة ؛ وذلك لأنّ دليل الاستصحاب ناظر إلى دليل البراءة وناف لموضوعها تعبدا وتنزيلا ، إذ أنّ موضوع أصالة البراءة هو عدم العلم بالحرمة وأصالة الاستصحاب قد نزّلت مشكوك الحرمة المعلومة سابقا منزلة اليقين ببقائها ، وهذا اللسان قرينة على النظر ـ كما بيّنا ذلك ـ وبالتالي يكون أصل الاستصحاب حاكما على أصالة البراءة لأنّه ينفي موضوعها تنزيلا ويعتبر الشك في الحرمة المسبوقة بالعلم علما ، فكأنّ الاستصحاب يلغي موضوع البراءة وهو الشك ويجعله علما عملا وفي مقابل ذلك لانجد أنّ دليل أصالة البراءة يعتبر عدم العلم بالحرمة علما بعدم الحرمة ، بل إنّ غاية ما يثبته دليل البراءة هو أنّه متى ما تحقّق الشك فإنّ المكلّف في سعة من جهة التكليف المشكوك ، ومن هنا لا يكون لدليل البراءة نظر لأيّ دليل آخر.
وممّا ذكرناه يتّضح أنّ كل مورد يكون مجرى للأصلين فإنّ أصالة الاستصحاب تكون متقدّمة باعتبار حاكميتها على أصالة البراءة.
الدليل الثاني : أظهرية دليل الاستصحاب على دليل البراءة فيقدم دليليه على دليل البراءة لقاعدة تقديم الأظهر على الظاهر والتي منشؤها